السوريون أصبحوا وقوداً لمكائن القتل، واشتعال الفتيل، شهوة القتل زادت، ظل الإبادة كبر وأتسع وتشعب، وأذرع الموت تطرق الأبواب تفتش عن الذي لم يمت ليموت حتى لو كان طفلاً جنيناً أو نرجساً أو ياسميناً، الناس هناك أعمارهم غير مستقيمة، ولا يطاولون الحلم البهي، المشاهد ساخنة، ومؤثرات السخونة توحي بالمعاناة والتعب والإرهاق والكوابيس الكثيرة، مشاهد القتل والتدمير والتنكيل هناك بكل انثيالاتها توحي بالمعانة المرة والجزع والترقب المخيف، للقتل فعل تأثيري مهم في مخزون الذاكرة السورية لما احتلته من مساحات شاسعة لفداحة الخسائر والمكابدات والآلام وسلخ الكرامات وإراقة الدماء في لهيب القاذفات والرصاص، القتل يخرب الأمنيات، ويمنع الوصول إلى المرتجى، ويغتال الأحلام، ويفزع المتأمل للحياة الطرية ويحوله إلى لون شاحب ويملأ روحه بالمؤثرات اليائسة والحزينة والكئيبة. في سورية مشاهد القتل والتدمير هي المشاهد المحركة التي تحرك النص والخبر والنكد، حتى أن الإنسان السوري تحول جسده معها إلى شظايا يتطاير في كل النواحي لأن القتل هناك عمل فوري وعاجل، والرحمة هناك ملغاة، والتسامح مفقود، حين عزف النظام البشع قيثارة الحرب اللعينة وأهرق الدماء بكثافة حتى اختلطت بنهر بردى والعاصي والفرات، واتحدت مع القلاع العظيمة وأشجار الصفصاف والزيتون وحقول التفاح وعرائش العنب، أن محنة القتل هناك أفقدت الإنسان السوري كل شيء، الحياة، الدم، الرغيف، الدواء، والأماني العراض، حتى العواطف ذابت واضمحلت ومنعتها الحواجز الثقيلة ودخان البارود الكثيف، لقد جفت الضروع، ويبست الربوع، وداهم الناس الأسقام والجوع، كل شيء هناك تحول إلى رماد وفجيعة وأسى ودراما حزن، لأن الطغاة هناك يعملون وفق أهوائهم المريضة ونزوع الشر وأدوات التدمير ونظريات المؤامرة، لقد قاموا بتسليط آلة القتل ومجنزراته لقمع الإنسان السوري ومحاولة إبادته بأي طريقة ممكنة حتى الزرع والبهيمة والمبنى والحجر والعصافير الصغيرة، أنهم يمارسون الأعمال الهمجية وغوغائية الذبح وفاشية الإبادة، أنهم يحاولون وأد الأحلام البشرية حتى ولو بثمن باهظ متوسدين فيه ذنوب الضحايا الكثار باستكبار تام وصلف شديد وكبرياء مقيت، أنهم حولوا البلد إلى مزرعة كبيرة من البطالة والفقر والعوز والفاقة والجوع والمرض والجهل المريع والهجرة المريرة، لقد أتعبوا الناس بالإعياء، وأصابوهم بالصخب والدوار، وخلطوهم بالقياسات كلها، ومارسوا لي عنق السنبلة، مقابل ديمومة سلطة همجية جائرة عقيمة لا تعرف أن تقيس مسافات الحياة الجميلة، ولا كيف تزرع شتلة للورد النقي، ولا كيف تنسج حلل البهاء، ولا حتى كيف تنثر الحلوى وتهدي السلام، لكن توق الشعب السوري الأبي وإصراره على الانعتاق من براثن الطغاة ونظامهم الأهوج وسياستهم الحمقاء وجلفهم المر وجبروتهم البغيض وتكتلاتهم الشائكة المخزية وأعمال الخسة والدناءة وفعل البراغيث التي يمتهنونها لن تثنية عن مواصلة الثورة من أجل الحرية والعدالة والكرامة والنهارات البيض ورغيف الخبز وكوز الماء وجدائل الشمس وخيوط القمر ورائعة الحياة، ولن يستسلم مهما كانت التضحية وكان الفدى حتى يستعيد إنسانيته المفقودة منذ أمد طويل على مذابح النظام التتري البغيض الذي سكب الزيت الوفير وأشعل النار وأطال اللهب وأصر واستكبر وطغى وتجبر وحاول «كفرعون» أن يقول «أنربكم الأعلى»، لكنه سيغرق في اليم ويموت. [email protected]