أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    ورشة عمل لتسريع إستراتيجية القطاع التعاوني    إن لم تكن معي    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
ملحمة البناء القاصدة.. من عهد التأسيس حتى هذا العهد الزاهر
نشر في الجزيرة يوم 27 - 05 - 2012

الحمد لله الذي رفع شأن بلادنا، فاصطفاها مكاناً آمناً لبيته العتيق، ومهبطاً لوحيه، ومنطلقاً لخاتم أنبائه، لينقذ البشرية من ضلالات الشرك والإلحاد، ويقودهم إلى ظلال الإيمان الوارفة.
ومنذ يومئذٍ بدأت بشائر التحول العظيم، وبدأ عهد جديد في حياة الجزيرة العربية وسائر البشرية، وظهرت دولة الإسلام التي لم يشهد التاريخ الإنساني مثيلاً لها، حيث ترسخت مبادئ الحق والعدل والمساواة والشورى، وحفظت الحقوق، وكفلت الحريات، وحرمت الدماء، وتوطد العدل، وأفل نجم البغي والعدوان، ودخل الناس في دين الله أفواجاً. واستمرت عمليات التحول الكبرى، فدخلت أمم بأكملها في دين الله في عهود الخلفاء الراشدين، والتزمت بأحكام الإسلام في حياتها كلها.
ثم دالت دول ومرت أعوام وانقضت قرون، وتعرض المسلمون لحملات منظمة من العدوان، وتكالب عليهم الأعداء من كل حدب وصوب، فضعفت دولتهم، وتفرقت كلمتهم، فساءت حالتهم، وكان لا بد من الإصلاح والعودة إلى التمسك بأهداب الدين واستعادة العز والمجد المفقودين.
وفي ظل التراجع، والبعد عن مبادئ الإسلام والتفكك الذي ساد العالم الإسلامي آنذاك، قيض الله لهذه الأمة نفراً حملوا الراية، ورفعوا علم الجهاد، ودعوا إلى توحيد الكلمة، ونصرة دين الله، وإعلاء كلمته، وتعظيم شأنه.. فبرز آل سعود من بين الصفوف لتحمل المسؤولية، والعودة بالناس إلى نبع الإسلام الصافي، وتأسيس دولة الوحدة والتوحيد والعدل والإيمان، فكانت الدولة السعودية الأولى (1157-1233ه/1744-1818م) فالثانية (1240-1309ه/1824-1891م)، وما حققتاه من نجاحات، وما صاحبهما من إخفاقات هنا وهناك.
ثم جاء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، طيب الله ثراه، وقرأ التاريخ بقلب واعٍ، وفكر ثاقب، وذكاء خارق، وأدرك مواضع الخلل، فاستعاد الرياض في فجر الخامس من شوال عام 1319ه، الموافق للخامس عشر من يناير عام 1902م، بعد ملحمة بطولية ستظل دوماً حديث التاريخ واهتمام المؤرخين، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها كانت بالغة التعقيد وشديدة القسوة، مسطراً ملحمة كفاح فريدة، غيرت مجرى تاريخ المنطقة إلى الأبد، فأسس دولة آل سعود الحديثة، بعد أن وضع القواعد، ورسخ البناء، وحدد معالم الطريق، متخذاً من كتاب الله الكريم وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم دستوراً لدولته.
والحقيقة، أن كل من يتأمل تاريخ بلادنا المشرق الناصع وسيرة قادتها الكرام، تعقد الدهشة لسانه من عظمة ما يرى من إنجاز بشرى رائع، هو أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة. نقل بلادنا من صحراء جرداء إلى تحفة غناء، ورقم لا يمكن تجاوزه في اقتصاد العالم وسياسته ورخائه وأمنه واستقراره.
ويتفق المؤرخون أن الملك عبدالعزيز آل سعود، قد وضع اللبنة الأولى عندما أسس هذا الكيان الشامخ الراسخ، ثم جاء أبناؤه من بعده لقيادة دفة الركب، فبنوا وشادوا ونقلوا دولتنا إلى مصاف الأمم..
أقول : هذا صحيح، ولا مراء فيه البتة. غير أنني اليوم أخرج عن المألوف، وأجرؤ على الاختلاف مع المؤرخين، فمع كامل احترامي لهم، وصادق اعترافي بجهود أبناء عبدالعزيز الذين تولوا الحكم بعده أو اضطلعوا بمختلف مسؤوليات الدولة هنا وهناك، مع هذا كله، أؤكد أن كل لبنة بناء في دولتنا هذه، من اللبنة الأولى وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يرجع الفضل فيها لله أولاً وأخيراً، ثم للمؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، لأنه لم يكتف بقراءة التاريخ فحسب، بل استشرف المستقبل، فعلَّم أبناءه ودربهم وأدبهم فأحسن تأديبهم، وغرس في كل منهم شيئاً مما وهبه الله من كرم وسخاء وعشق للخير ومحبة الناس، وتجرد ونكران ذات، وذكاء لماح، ووفاء منقطع النظير، وحب للعدل، وحرص على خدمة الدين وصيانة العرض وحماية الأرض وتقدير المسؤولية، وغير ذلك كثير مما عرفناه عن المؤسس من مكارم الأخلاق وعظيم السجايا التي لا يتسع المجال هنا لحصرها، مؤكداً لهم أنهم أصحاب رسالة، وليسوا سعاة سلطة، بل خداماً للعقيدة، وسعاة لخير شعبهم ورخاء الإنسانية، ورعاة للإسلام وقادة للمسلمين، ينافحون عنهم، ويجاهدون لنصرتهم، مؤمناً أنه لا صلاح للعباد في معاشهم ومعادهم إلا بمعرفة هذا الدين ومحبته وقبوله والعمل به وبذل الجهد في تحقيق ذلك كله. ويؤكد حديث المؤسس لبروكلمان ما ذهبت إليه هنا، إذ يقول، طيب الله ثراه: (إذا وفق الله أولادي كما وفقني، فسوف يتولون مقدرات مائة مليون مسلم). إذن أعد عبدالعزيز رجالاً أفذاذاً وأبطالاً أشاوس، بحجم المسؤولية، حتى تظل جذوة البناء والإصلاح متقدة، ومسيرة الخير وإعمار الأرض متصلة إلى الأبد، فهاهم أبناء عبدالعزيز، بحمد الله وتوفيقه، يرعون اليوم مقدرات ما يزيد عن ألف مليون مسلم).
ولهذا، فعبد العزيز باقٍ فينا إلى الأبد، فمع أنه رحل عنا بجسده الطاهر، إلا أننا نراه كل يوم بيننا في أبنائه الكرام البررة، الذين ورثوا عنه كل ما حباه الله من مكارم وخلال طيبة، فواصلوا مسيرته على خطاه، حتى وضعوا بلادنا بين مصاف الأمم الفاعلة على خارطة العالم.
فهيا نلقي نظرة عجلى على ملحمة البناء الخالدة التي صنعها عبدالعزيز وهيأ لاستمرارها : بعد أن وحد المؤسس البلاد وأهلها، وأشاع بينهم الحب والوئام ووأد كل أسباب الفرقة والشتات إلى الأبد، حتى أصبحوا على قلب رجل واحد، استشرفت بلادنا عهداً جديداً، وشهدت في عهده تحولات جوهرية في كل المجالات، غير أن الوحدة والتوحيد، وبسط الأمن وتحقيق الاستقرار وترسيخ الطمأنينة في نفوس الناس، وتهيئة الأبناء على النهج الصحيح ليواصلوا مسيرة الخير القاصدة بعده، تظل أهم إنجازات عبدالعزيز على مستوى الدولة، وهي كثيرة، أعيت كل محصيها.
وبعد أن فاضت روح عبدالعزيز الطاهرة إلى بارئها، راضية مرضية، في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول عام 1373ه، الموافق لليوم التاسع من شهر نوفمبر عام 1953م، بعد رحلة كفاح مضنية، تسلم الراية سعود، فحث السير على خطى المؤسس، فشهدت البلاد في عهده أعمالاً خيرية وإصلاحات شاملة في جميع مرافقها، كان أبرزها تطوير قدرة الإنتاج من خلال بناء السدود وحفر الآبار، والاهتمام بالتعليم، إذ افتتحت في عهده أول جامعة في شبه الجزيرة العربية ( جامعة الملك سعود ) عام 1377ه/1957م، ثم أنشئت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1381ه/1961م.
أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد اهتم الملك سعود بتعزيز التضامن الإسلامي ووحدة العرب. وقبل هذا وذاك حقق سعود أول وأعظم إنجاز له بعد وفاة والده بأحد عشر يوما فقط، إذ وضع حجر الأساس لتوسعة الحرم النبوي الشريف، التي تعد الثانية في تاريخ مسجد رسولنا الكريم عليه وعلى أهله أفضل الصلاة وأتم التسليم، ثم وضع حجر الأساس لتوسعة الحرم المكي الشريف بعد ذلك بعامين، كما أدخل تحسينات كثيرة شملت كافة مرافق الحج.
ثم تواصلت ملحمة البناء الخالدة ومسيرة الخير القاصدة في عهد الفيصل، فشملت مختلف نواحي الحياة، فظهرت الطرق المعبدة، ومحطات تحلية المياه، وشهد عهده أول خطة خمسية للتنمية، وكان التعليم كالعادة حاضراً بقوة، فأنشئت جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، وكلية البترول والمعادن في الظهران، التي تحولت عام 1395ه/1975م إلى جامعة عتيدة، تنشر نور العلم والمعرفة وتشرئب لها كل الأعناق، بوصفها مرحلة متقدمة في مجال التعليم العالي لتأهل سواعد الوطن الفتية للعمل في مجال صناعة البترول والمعادن والأبحاث التطبيقية. كما أنشئت كلية الملك فيصل الجوية وميناء جدة الإسلامي الذي يعد اليوم من أنشط موانئ العالم حركة.
أما جهود الفيصل في التضامن الإسلامي والوحدة العربية، فمشهودة للجميع من خلال سياسته العربية الإسلامية الخالصة التي انتهجها، وقد تمثل الدور المهم للمملكة في عهد الفيصل في قضية فلسطين، التي تبنتها بلادنا على الصعيد العالمي، كما اضطلعت بدور مهم في إنشاء صندوق مالي من خلال مؤتمري الرباط ولاهور عام 1395ه/1974م , وسيبقى موقف الفيصل في حرب عام 1388ه / 1967م، ماثلاً في وجدان الشعوب العربية والإسلامية إلى الأبد.
أما في عهد الملك خالد، فشهدت بلادنا قفزة تنموية ما يزال صداها يتردد في الأذهان، إذ انطلقت عجلة الصناعات الوطنية، وافتتحت المدارس والمعاهد، فتخرجت أعداد كبيرة من شبابنا لخدمة البلاد وإدارة عجلة الإنتاج في مختلف المجالات. فاحتلت بلادنا في عهده المرتبة الأولى بين دول العالم الثالث من حيث معدلات النمو والازدهار الاقتصادي، كما تعززت علاقتنا الوثيقة بأشقائنا، إذ شهد عهده ميلاد مجلس التعاون لدول الخليج العربي بمبادرة سعودية خالصة، عام 1401ه/1981م، قبيل وفاته بعام واحد تقريباً.
ثم تتواصل ملحمة البناء والإنجاز في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، الذي قاد السفينة بحكمة شهد له بها كل ساسة العالم وجهابذته، وطموح لا تحده حدود، فاستمرت الخطط التنموية، فأدهش نظر المراقبين والسياسيين، وأصبحت بلادنا في عهده محط أنظار الاقتصاديين ورجال الأعمال والشركات متعددة الجنسيات، واستكملت البلاد تنفيذ مشاريع البنية الأساسية العملاقة في العمران والطرق والجسور والاتصالات والزراعة وتطوير الموانئ والمطارات والتوسع في التعليم، الذي كان الفهد أول وزير له في تاريخ البلاد، ووصل عدد الجامعات إلى سبع منارات تنشر العلم ونور الإيمان، واكتملت مدنها الجامعية بكل مرافقها، وحققت بلادنا في عهده اكتفاءًا ذاتياً في كثير من احتياجاتنا الأساسية، لا سيما القمح، كما شهد الحرمان الشريفان أكبر توسعة في تاريخهما، إضافة لعنايته بالمشاعر المقدسة، فضلاً عن تطور سياستنا الخارجية مع الأشقاء والأصدقاء والمنظمات الدولية، فقد كان دور الفهد عاملاً حاسماً في استقرار السلام العالمي، فلقبه سياسة العالم ب(رجل السلام) بسبب حرصه الشديد وسعيه الأكيد لمعالجة كل القضايا الساخنة بحكمة وحنكة وتؤدة، من أجل تحقيق مصلحة العرب والمسلمين والعالم أجمع.
وعلى الصعيد الداخلي، لم تتأثر مسيرة البناء الشامل، حتى في ظل تلك الظروف الصعبة التي شهدتها منطقة الخليج في عهد الفهد، فاستمرت خططنا التنموية قدماً، وظهرت إصلاحات الملك فهد الداخلية التي شملت نظام الحكم، وجعلت التشكيلات للسلطتين التنفيذية والتنظيمية في الدولة محددة بفترة زمنية، يتم بعدها التجديد كل أربع سنوات، سعياً للاستفادة من الكفاءات الوطنية الشابة، بالإضافة لاستحداث أربعة أنظمة جديدة هي : النظام الأساسي للحكم، نظام مجلس الشورى، نظام المناطق ونظام مجلس الوزراء ؛ إلى غير ذلك من مسيرة البناء القاصدة والإنجازات المدهشة التي تحققت للوطن والمواطن، فنقلت بلادنا في عهد الفهد إلى القرن العشرين، وهيأتها لدخول القرن الحادي والعشرين بكل ثقة وثبات.
ثم جاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يحفظه الله، الذي أخذ عن والده قوة الإيمان، والثبات على المبدأ، وقوة الإرادة والحكمة والشجاعة، فهو رائد من رواد الإصلاح والنهضة والجهاد، ولهذا تبوأ مكانة سامية في قلوب العرب والمسلمين والناس أجمعين.
فأبدى منذ أول يوم لتوليه الحكم في السادس والعشرين من جمادى الثانية عام 1426ه، الموافق غرة أغطس عام 2005م، عزمه على مواصلة مسيرة الخير القاصدة وملحمة البناء المتصلة التي أرسى دعائمها المؤسس ووطد أبناؤه أركانها، فاستهل حكمه بزيارة أطهر بقاع الأرض قاطبة، المدينتين المقدستين (مكة المكرمة والمدينة المنورة ) مؤكداً للجميع أنه مسخر لخدمة الحرمين الشريفين اللذين حظيا في عصرنا الزاهر هذا بأكبر توسعة لهما على مر التاريخ، وعزز عزمه هذا، يحفظه الله، بنبذ كل ألقاب الجلالة والفخامة التي يتزين بها ملوك الأرض، مؤكداً أن هذه الألقاب تليق بالملك الديان وحده سبحانه وتعالى، معلناً تمسكه بلقب خادم الحرمين الشريفين وتشرفه به، فكان ذلك خير معتصم له بحبل الله المتين.
من جهة أخرى، أولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز برنامج الإصلاح الاقتصادي أهمية قصوى، منذ كان ولياً للعهد، وعندما تسنم سدة الحكم، اتخذ إجراءات وقرارات حاسمة، أفضت لإنشاء العديد من المدن الاقتصادية والمراكز المالية والتجارية المزدهرة، ضمن منظومة سلسلة التحولات الاقتصادية الجوهرية التي شهدها عهده الزاهر، بالإضافة لتلك المنجزات الهائلة، والتحولات الكبرى في مختلف الجوانب، من تعليمية وزراعية وصناعية وثقافية واجتماعية وغيرها. إذ يكفي أن تعلم أيها القارئ الكريم أن مجال التعليم وحده يضم اليوم ما يزيد عن خمسين جامعة وكلية جامعية ومعهد عالٍ، بينها 34 جامعة، فيها 18 مدينة جامعية بمواصفات عالمية. فضلاً عن جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن التي تعد أكبر صرح علمي للبنات متميز وفريد من نوعه في العالم، كفيل بتحقيق أحلام كل بنات الوطن. فحقق تعليم المرأة قفزات كبيرة في هذا العهد الميمون، إذ شغلت المرأة السعودية مناصب قيادية في المرافق العامة والخاصة، كما شغلت مناصب مهمة في المنظمات الدولية التي شهدت لها بالكفاءة والقدرة على العمل والإبداع.. ليس هذا كل الحكاية فحسب، بل إن الدولة تتجه الآن لإنشاء جامعة في كل محافظة، سعياً لتحقيق مجتمع المعرفة، الذي يسعى إليه قائد مسيرتنا.
أما في مجال الاقتصاد، فيكفي أن ندرك فقط أن بلادنا قفزت من المركز (67) بين (135) دولة في تضيف عام 2005م الذي تعده مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي إلى المركز 13 بين 183 دولة في التقرير الصادر عن المؤسسة المعنية مؤخراً.
وشهدت السياسة الداخلية تطورات مدهشة، أهمها نظام هيئة البيعة الذي صدر عام 1427ه 2006م، لتصبح الأنظمة الأساسية للدولة خمسة، بعد صدور الأنظمة الأربعة الأولى في عهد سلفه الملك فهد كما أشرنا سابقاً، بالإضافة لمنتديات الحوار المتعددة بين أبناء الوطن، وبين ثقافات العالم وحضاراته ودياناته، سعياً لفهم مشترك يكفل حق الجميع، ويعزز الأمن والسلم العالميين.
أما حرصه للاستجابة لاحتياجات المواطنين وتحقيق رغباتهم وتطلعاتهم، فكلنا نشهد به، إذ لم يكتف بإصدار القرارات السامية الكريمة فحسب، بل زارنا في مناطقنا منطقة بعد أخرى، ودخل علينا بيوتنا المتواضعة يتفقد أحوالنا بنفسه ثم يفاجئنا صبيحة اليوم التالي بقرارات تحل كل مشاكلنا.
أما مواقفه الإنسانية التي تنبع من إيمان راسخ، وقلب عامر بالإيمان، ونفس سمحة، ومشاعر صادقة، وطبيعة نبيلة، وروح نزاعة للتسامح وإرساء العدل، ونبذ العنف والخلاف، واعتماد الحوار سبيلاً وحيداً لعلاج المشاكل، فقد شهد له بها العالم كله ومنحه عليها العديد من الأوسمة.. ليس مكافأة لجهده الذي لن تبلغه أية مكافأة مهما عظمت، لكن اعترافاً بجميله وتعبيراً عما يكنه الناس والمسؤولون من امتنان وتقدير لحسن صنيعه.
وبعد : ليس هذه في الحقيقة جردة حساب لملحمة البناء والإنجاز ومسيرة الخير القاصده التي بدأها المؤسس فجر الخامس من شوال عام 1319ه الموافق للخامس عشر من يناير عام 1902م، ثم تولى أمرها أبناؤه الكرام البررة، فكان كل خلف يسابق الزمن لينجز أكثر مما حقق السلف من بناء وإنجاز للوطن وخير وعطاء للمواطن.. هذا المواطن العزيز الغالي الذي يحمل آل سعود همه ليل ونهار، بل هي في الواقع مجرد إشارة سريعة لهذا الجهد العظيم الذي اضطلع به آل سعود من أجلنا وأجل وطننا وعقيدتنا والإنسانية جمعاء... فهيا نلتف كلنا خلف قيادتنا الرشيدة، لنساعدها على خدمتنا وتوفير أمننا واستقرارنا ورخائنا، وعز بلادنا وحماية عقيدتنا... وكل عام الوطن بألف خير وأمن وسلام.
مدير إدارة الثقافة والتعليم للقوات المسلحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.