أفاقت جماعة الاخوان المسلمين المصرية من الحلم الذي لم يستمر طويلاً، لترى أن دولة (الخلافة) التي كانت تسعى لإقامتها في مصر، لتصدرها إلى بقية العالم الإسلامي، تتلاشى بين ليلة وضحاها. لعب الإخوان في البداية مع الجماهير المصرية لعبة (حقق وطالب)؛ ففي بدايات الثورة أعلنوا أنهم لا يفكرون في المنافسة على الرئاسة، وأنهم -أيضاً- لن يستولوا على جميع مقاعد البرلمان، وإنما سيتيحون المجال لتشاركهم أطراف أخرى في اللعبة السياسية لأنهم -كما كانوا يقولون في البداية- يؤمنون بالمشاركة والتعددية ويرفضون الإقصاء، إلا أنهم لم يفوا -كالعادة- بوعودهم، وعملوا بطاقاتهم القصوى ليحصدوا أغلب مقاعد مجلس الشعب على حين غرّة لولا أن من يُسمون بالسلفيين دخلوا على الخط، واقتطعوا رغماً عنهم حصة من الكعكة، مستخدمين الأسلوب الانتهازي الإخواني نفسه (الإسلام هو الحل). ومثلما نكثوا عهودهم عندما حاولوا السيطرة على أقصى ما يستطيعون السيطرة عليه من مقاعد البرلمان تراجعوا مرة أخرى عن وعودهم بعدم السباق على الرئاسة، وقرروا أن يُنافسوا عليها، غير أن مرشحهم الأول خيرت الشاطر رُفض لأسباب تقنية، فاضطروا (للاحتياطي) محمد مرسي، ففاز بالمركز الأول ولكن بنسبة ضئيلة لا تزيد عن 25 % من أصوات الناخبين، وجاء في المرتبة الثانية أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك بنسبة 24 % وبفارق أقل من 1 %، في حين احتل المرتبة الثالثة المرشح الناصري حمدين صباحي بنسبة 21 %، وجاء المنشق عن الإخوان عبدالمنعم أبو الفتوح في المرتبة الرابعة بنسبة 17 %، وفي المرتبة الخامسة عمرو موسى بنسبة لم تتجاوز 11 %. هذه النتائج تعني أن الجولة الأولى من الانتخابات لم تحسم التنافس بعد، وأن جولة ثانية ستُجرى منتصف الشهر القادم بين من جاءا في المرتبتين الأولى والثانية، أي بين مرشح الإخوان محمد مرسي والمرشح القادم من نظام مبارك أحمد شفيق. هذه النتائج المفاجئة صعقت الإخوان؛ فالشارع الذي كانوا يظنون أنهم يملكون زمام توجيهه قلب لهم على ما يبدو ظهر المجن، ليس هذا فحسب، وإنما عاد إلى القادم من نظام مبارك، ليتشبث به ويدفع به إلى الأعلى ليكون فرس الرهان في مواجهة مرشحهم، وليضطرهم راغمين إلى البحث عن تحالفات مع آخرين، حتى وإن تنازلوا عن جزء من سلطاتهم التي كانوا يرفضون في البدء أن يشاركهم فيها أحد. كنتُ أعرف منذ البداية أن مشروع الإخوان السياسي مشروع لا بد أن يفشل حتماً؛ لأنه يقوم على محاكاة العواطف وليس الواقع، ولأنهم لا يملكون برنامجاً محدداً واضح المعالم، ناهيك عن افتقارهم التجربة السياسية والاقتصادية في سياسة الدول. غير أنني بصراحة لم أتوقع أن يكشف الإنسان المصري الإخوان وخداعهم بهذه السرعة، إلا أن تماديهم -على ما يظهر- في الكذب والخداع ونكث الوعود والتلون وتغيير المواقف في فترات قصيرة جعلهم ينكشفون على حقيقتهم سريعاً، فتأكد المواطن المصري الذي كان منخدعاً بهم أن هؤلاء ليسوا أكثر من جعجعة وليس ثمة طحن. الآن ثبت قطعياً أن الأمر في الجولة الثانية لن يخرج عن احتمالين لا ثالث لهما: إما أن يخسر الإخوان ويربح شفيق، وهذا احتمال وارد وبقوة، خاصة إن استطاع شفيق الاستحواذ على كتلة عمرو موسى الانتخابية، وكذلك تحريك جزء من الكتلة الانتخابية التي لم تشارك في انتخابات الجولة الأولى لتصوت لصالحه، وهي كتلة ضخمة 50 % ومساوية تماماً من حيث العدد للكتلة التي شاركت في انتخابات الجولة الأولى. وشفيق ومن يقفون وراءه قادرون على استقطاب هذه الكتلة، ودفعها إلى المشاركة.. والاحتمال الثاني أن يفوز الإخوان بعد أن يُقيموا تحالفات مع التيار الناصري (حمدين صبّاحي 21 %)، ومن أجل أن يقبل هذا التيار بالتحالف معهم فلا مناص من تنازلات نوعية مؤلمة؛ ما يجعل قدرتهم على الانفراد بالقرار وتوجيهه هشة، وهذا في التحليل الأخير ما سوف يجعل حلمهم (الكبير) يفشل منذ السنة الأولى حُكم. إلى اللقاء.