صدر مؤخرًا التقرير النفطي الشهري لمنظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة اللذين ذكرا -كما هو متوقع- انخفاض المعدل الشهري لأسعار البترول في الأسواق العالمية وخاصة في الأيام القليلة الماضية كردة فعل طبيعية لارتفاع المخزون الإستراتيجي العالمي للنفط وذلك لزيادة العرض مقارنة بالطلب العالمي على البترول خاصة في الربع الثاني من هذا العام، كما ساعد على ذلك انخفاض حدة المواجهة العسكرية بين دولة العدو الصهيوني والغرب من جهة وإيران من جهة أخرى. وبالرغم من الأحداث السياسية والانتخابات الأوروبية في فرنسا واليونان وتبعاتها الاقتصادية خاصة المتعلقة بالديون السيادية لليونان، وارتفاع مخاوف المراقبين والمستثمرين الدوليين من احتمال خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي وما سوف يترتب عليه ذلك من تدهور لعملة اليورو وانخفاض حاد للاقتصاد الأوروبي الذي بدوره -إن حدث- سوف يؤثّر سلبًا على الطلب الأوروبي على البترول ومن ثم انخفاض أسعار البترول. يزيد من حدة هذه المخاوف احتمال انتقال العدوى اليونانية لدول أوروبية أخرى لها ثقلها الاقتصادي ومكانتها الرئيسة في خريطة الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأوروبي بشكل خاص، حيث تمثل ديونها السيادية معضلة كبيرة وتحديًا كبيرًا أمام حكوماتها مثل إسبانيا والبرتغال وأخيرًا إيطاليا. هذه العوامل السلبية تزيد من مخاوف المراقبين الدوليين وصناع السوق البترولية لوضع احتمالات عدة تتضمن الاحتمال الأسوأ المتمثل في فشل اليونان والاتحاد الأوروبي في حل مشكلة الديون اليونانية وانتشار هذه العدوى للدول الأوروبية الأخرى مما سوف يؤدي إلى كساد اقتصادي أوروبي، الذي بدوره سوف يكون له تبعات سلبية جدًا على الاقتصاد العالمي والطلب العالمي على البترول من قبل الدول الأوروبية وبعض الدول الصناعية الكبرى خاصة الصين. بالرغم من أن سعر بترول سلة أوبك انخفض من 124 دولار للبرميل في بداية شهر مارس من هذا العام إلا أن وصل مؤخرًا إلى سعر 108 دولارات للبرميل (13 % خلال شهرين)، وانخفض سعر بترول غرب تكساس منخفض الجودة تحت ال100 دولار للبرميل ليصل إلى 92.5 دولار وسعر بترول برنت بحر الشمال عالي الجودة إلى 111 دولارًا للبرميل، إلا أن هذا السعر (108 دولارات للبرميل لسلة أوبك) يعدُّ سعرًا مناسبًا ومنطقيًا وعادلاً كما صرح بذلك العديد من وزراء النفط لدول منظمة أوبك، حيث ذكر بعضهم أنهم بحاجة لسعر مستقر يتراوح حول ال100 دولار للبرميل. وكما ذكرت سابقًا في عدة مقالات نشرت في هذه الجريدة أنني متفائل جدًا باستقرار أسعار البترول حول ال100 دولار للبرميل، وأن هذا التفاؤل مبني على عدة إشارات وعوامل إيجابية قد تسهم في خلق هذا الجو الإيجابي في السوق النفطية العالمية مثل المحاولات الجبارة من قبل بعض الدول الأوروبية الكبرى وبالأخص ألمانيا لمساعدة اليونان على تجاوز هذه الكارثة المالية وعدم السماح لخروجها من الاتحاد الأوروبي، كما لا يخفى على أحد الدور الإستراتيجي والفعّال الذي تقوم به منظمة أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية وذلك ليس فقط لضمان الإمدادات النفطية تحت جميع الظروف ولكن أيضًا ضمان أسعار عادلة للبترول والحد من أي انخفاض في الأسعار مهما كانت الأسباب. فالأمر المنطقي جدًا أنه إذا ما استمر النزيف السعري للبترول فإن منظمة أوبك وبلا شك سوف تقوم بخفض الإنتاج كردة فعل طبيعية للحد من هذا الانخفاض. والتحدي هنا يتمثل في مدى نجاح منظمة أوبك بسرعة تفعيل إستراتيجياتها قصيرة المدى لمواجهة أي تحدٍ قد يسقط سعر برميل سلة أوبك تحت ال100 دولار للبرميل.