هل يعقل أن ينهار بنك استثماري يمارس قواعد الشريعة ولا نعلم عنه شيئا؟ وكيف يتم تسييل أصول البنك بطريقة «خافتة»؟ لن أتطرق لاسم هذا البنك الصغير ولكنه ليس من البنوك المعروفة والمرخصة من قبل البنك المركزي السعودي (ساما). بل هو بنك استثماري تم إنشاؤه في 2008 ومنح ترخيص من هيئة السوق المالية لممارسة أنشطة إدارة الصناديق الاستثمارية وإدارة محافظ العملاء وإسداء المشورة وعمليات الحفظ للأوراق المالية. وفي الأسابيع الأخيرة من شهر يناير, أعلنت هيئة السوق المالية وعلى موقعها موافقتها على الطلب الذي تقدم به البنك الاستثماري والمتعلق بطلب إلغاء الترخيص الممنوح له لممارسة الأنشطة السابقة. واختتم البيان بالعبارة الشهيرة «بناء على طلبه». لنتفاجأ بعدها بأشهر بسيطة بخبر صغير من مجلة مال بريطانية (Mena FM) يفيد, والعهدة على الراوي, بأن هذه المؤسسة الاستثمارية قد دخلت مرحلة التصفية بعد أن تم «إلغاء» رخصتها. عندها حاولت زيارة موقع تلك المؤسسة المالية على النت ووجدته قد زال من الوجود! لماذا «تختفي» مؤسسة عن الوجود ولا نعلم عنها؟ حاولت أن أعرف كيف تتصرف السلطات المالية الأمريكية مع قضايا إفلاس بنوكها. وهل هم يقلدوننا في ثقافة «الإخفاء والكتمان»؟ وكانت الإجابة من الموقع الرسمي الخاص بالمؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع (FDIC). فاكتشفت قائمة بالبنوك المنهارة. فمثلا عام 2010 شهد انهيار 157 مصرفا وعام 2011 شهد زوال 92 مصرفا. وهذا ما يسمى بمبدأ «الشفافية» عندنا وعندهم. فهذه هي قمة الشفافية والاحترام لعملاء هذه البنوك والمستثمرين بها. بعد التمحيص والتقصي اتضح أن بنكين كويتيين يملكان الحصة الأعظم في هذه المؤسسة الاستثمارية المصرفية. والأغلب أن المؤسسة قد عانت من «انقباض نقدي» (Credit Crunch) في الآونة الأخيرة الأمر الذي عجل في سقوطها الخافت. وبلغ رأس مال هذه المؤسسة عند التأسيس 400 مليون ريال. وبحسب تقرير لرويترز فإن رأس مال هذه المؤسسة قد انخفض إلى أقل من 50 مليون ريال. فليس من المستغرب أن يحجم المؤسسين عن ضخ السيولة بهذه الجهة المالية. قد يتساءل البعض لماذا لم يتم إنقاذهم من قبل الجهات الرقابية هنا؟ الإجابة تكمن في النقاط التالية: 1- عدم امتلاك الحكومة ولا الصناديق التابعة لها حصصا في هذا المصرف. 2- انهيار هذا المصرف الاستثماري الصغير لا يسبب ما يعرف ب»العدوى المالية» للمؤسسات الأخرى العاملة هنا. بمعنى أن الضرر سيكون مقصورا على المساهمين فقط وليس البنوك الأخرى. 3- طبيعة نشاط هذا المصرف لا تتطلب أخذ الودائع من العملاء. من يتحمل اللائمة؟ عندما يتم «استنزاف» 70 % من أموال المساهمين ووضعها في 4 صناديق استثمارية يديرها نفس المصرف فإنك تعرف هنا أن الخلل كان من الإدارة التي أدارت هذه المؤسسة. وبحسب رويترز التي نقلت تلك المعلومة فإن المساهمين رفضوا عندها ضخ السيولة بهذا البنك الاستثماري الإسلامي. ياترى ماهو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من كل ما جرى؟ في البداية على جهاتنا الرقابية أن تنشر ما يعرف ب (Watch List) وهي قائمة بأسماء المصارف التي دخلت مرحلة الخطورة وقد تنهار في أي لحظة. ففي الولاياتالمتحدة يتم تقديم مثل هذه القائمة من قبل 4 مؤسسات مالية. حيث يتعرف العميل مبكرا عندما يدخل مصرف ما دائرة الخطر. وفي حقيقة الأمر فقد قامت هيئة السوق المالية بإلغاء العديد من التراخيص في الآونة الأخيرة. ولكن يجب أن نعرف أن أعداد المؤسسات المالية التي حصلت على تراخيص الهيئة قد بلغ حتى الآن 83 مؤسسة مالية (بخلاف المؤسسات التي تم إلغاء تراخيصها في السنوات الأربع الماضية). ومع هذا فقد تكون هناك صعوبة في مراقبة المتانة الائتمانية لهذه المؤسسات الاستثمارية. وقد يمثل تحسن أداء سوق الأسهم «طوق النجاة» لهذه المؤسسات التي ستقتات على «عمولات» التداول. (*) متخصص في هيكلة الصكوك وخبير مالية إسلامية لمجموعة «ادكوم آكادمي» المصرفية في الولاياتالمتحدةالأمريكية.