ربما يتحتم الآن على الثوار السوريين الاستجابة لخطة سلام كوفي عنان التي تدعمها الأممالمتحدة، وذلك لإجراء تحول منظم للسلطة في البلاد بدلاً من الانزلاق إلى أتون حرب أهلية لن تجلب سوى المزيد من القتل والدمار للمنطقة برمتها. فقد أعلنت سوريا مؤخرا أنها مستعدة لقبول خطة السلام المقترحة من كوفي عنان المبعوث الخاص للأمم المتحدة، وقابلت الصين وروسيا ذلك التبني السوري للخطة بالتأييد، وبالرغم من أن ذلك المقترح به العديد من نقاط الضعف إلا أنه يمكن أن يفتح الطريق أمام «هبوط ناعم» في سوريا يمكن أن يطيح بالأسد دون تمزيق وحدة واستقرار البلاد. نعم، أنا اعترف أن مثل تلك الحلول الدبلوماسية المتواضعة لا يقوم بها إلا الضعفاء، فالأطراف المتحمسة والقوية في الداخل والخارج دائمًا ما كانت تؤيد إمداد المعارضة السورية بالسلاح وفرض مناطق حظر طيران وأنماط أخرى من الحلول العسكرية. من الناحية الأخلاقية لا يستطيع أحد أن يشكك في عدالة قضية المعارضة، ولكن المشكلة أن مثل تلك الحلول العسكرية سوف تؤدي إلى مصرع المزيد من الأبرياء وتدمير التوازن الدقيق داخل الدولة السورية. يجب علينا أن نتعلم من التاريخ المعاصر للشرق الأوسط وأن نلجأ إلى حلول غير عسكرية في سوريا، بالرغم من ضبابية الوضع وإجبار المعارضة على عقد تسوية مع النظام السوري، وبالرغم أيضًا من أن اتفاقية سلام سورية سوف تعطي دور البطولة لكل من روسيا والصين، وهما لا يستحقان الإطراء على الإطلاق، ولكنني أوافق على ذلك: سوف أمنحهما أوسمة إذا استطاعا المساعدة في الوساطة من أجل الخروج الآمن نسبيًا للأسد. خلاصة ذلك الوضع الحذر والانتقال المنظم للأوضاع في البلاد يمكن تلخيصها في كلمة واحدة: العراق؛ فبالنظر إلى الوراء إلى حرب العراق سنجد أن واحدة من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الولاياتالمتحدة بعد إسقاط صدام حسين هو قيامها بتدمير بنية الدولة العراقية وجيشها. بدون تلك المؤسسات غاب الاستقرار عن الدولة لذا انسحب العراقيون من أجل حماية أنفسهم وانحازوا إلى ولاءاتهم الأساسية مثل الطائفة والقبيلة، وبهذا المفهوم فإن الغزو الأمريكي للعراق أدى بدون قصد وبكارثية أيضًا إلى دفع العراقيين إلى العودة إلى الوراء، و بالرغم من أنهم تمتعوا بمسحة من الديموقراطية إلا أنهم فقدوا تماسكهم المجتمعي. لذا لا يجب على الولاياتالمتحدة أن تكرر أخطاءها في سوريا، بصرف النظر عن مدى إغراء مناشدات المعارضة للحصول على السلاح؛ فقد رأينا ذلك الفيلم من قبل! نحن نعلم أنه سيقودنا إلى نوع من الفوضى سيكون من الصعب وقفها، كما إننا نعلم أيضًا أنه بالرغم من فساد نظام الأسد وعصابته من البعثيين، إلا أن الدولة السورية وجيشها هما مؤسسات وطنية من المفترض أن تتخطى العائلة أو الطائفة العلوية أو البعثيين الفاسدين الذين اختطفوا البلاد منذ الستينيات. لذلك فإنني أثمن مواقف إدارة أوباما في تقديم مناشدتها لموسكو لتقديم يد المساعدة حتى بالرغم من المماطلة الروسية التي وصفتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأنها مخزية. إنها لحظة الواقعية السياسية: فالغرب بحاجة إلى مساعدة روسيا في إزاحة الأسد بدون التورط في حرب أهلية، كما أن روسيا بحاجة إلى أن تتوسط في إجراءات العملية الانتقالية لدعم نفوذها المستقبلي في العالم العربي.هذا هو المنطق البراجماتي الذي يدفع جهود السلام لكوفي عنان إلى الأمام. التغيير السياسي لن يتحقق في سوريا بدون القليل من الدماء. فعلى مدار العام الماضي ظل الأمر يسير في اتجاه واحد فقط، بما يقرب من عشرة آلاف من مقاتلي المعارضة ومن المدنيين تم ذبحهم على يد قوات الأسد، ولكن من المتوقع أن يكون هناك حالات تصفية حسابات. لذا يجب على أصدقاء سوريا أن يفكروا من الآن في وسائل مناسبة لمنع الضربات الانتقامية ضد الطائفتين العلوية والمسيحية التي كانت موالية للنظام، وذلك بمجرد أن يكون الأسد في طائرته المتجهة إلى طهران أو موسكو! إنني آمل أن يستطيع عنان التواصل مع القادة الدينيين من هاتين الطائفتين (العلوية والمسيحية) ليعرض عليهم ضمانات بألا يتم ذبحهم بمجرد رحيل الأسد. أما بديل «التفاهم الدبلوماسي الناعم» فهو الحرب التي يمكن أن تمزق الفسيفساء العرقية في سوريا. من السهل أن نتخيل مليشيات تحظى بالسيطرة على المدن المركزية مثل حمص وحماة وإدلب، في حين يتراجع العلويون إلى أجزاء من دمشق ومحافظة اللاذقية في الشمال، وربما يمكن للأسد أن يزعم أنه لا يزال الرئيس في ذلك السيناريو، ولكنه لن يكون أكثر من مجرد أمير حرب (بالرغم من أنه سيكون قادرًا على الوصول إلى الأسلحة الكيماوية للبلاد)، وذلك سيناريو كئيب لن يكون للقوة الجوية الغربية فيه سوى تأثير محدود. لقد استطاع باتريك سيل الذي ربما يعلم سوريا أكثر من أي كاتب غربي آخر أن يضع يده على ذلك الجانب من السيرة الذاتية لحافظ الأسد الأب، ألا وهي صفة الوحشية والقتال حتى الموت التي أدت إلى مذبحة حماة منذ ثلاثين عامًا، حيث قال إن «الخوف والكراهية وحمامات الدماء أدت إلى أن يستبعد الجميع أي فكرة عن حلول وسطية أو هدنة مع النظام»، لذلك فإننا جميعًا اليوم لا نملك سوى أن ندعو بألا نصل إلى ذلك المنطق غير القابل للتنازل أو المهادنة من أي من الجانبين. *(سينسيناتي. كوم) الأمريكية