يلاحظ من الواقع المعاش، كثرة عدد المخترعين السعوديين وأصحاب الأفكار والمواهب، ومعظمهم من الشباب ذوي الإمكانات المالية المحدودة، مما يعطل تنفيذ إختراعاتهم وأفكارهم، أو يؤخرها في أفضل الأحوال، عدا عن عدم معرفة الكثير منهم بالجهات ذات العلاقة بتطوير مواهبهم أو تسجيل اختراعاتهم ومبتكراتهم أو خشيتهم من طول الإجراءات وتعدد المتطلبات والقنوات، مما يفقد الوطن الكثير من الفوائد والعوائد الاجتماعية والاقتصادية، ويعطل قدراته الإبداعية الخلاقة. هؤلاء هم في الحقيقة ثروة الوطن الحقيقية وإحدى أهم مكتسباته، مما يتطلب التفكير جدياً في صياغة رؤية وطنية شاملة تحافظ على قدراتهم وتستفيد منها وتنميها من جانب، وتسهم في تشجيع غيرهم في المشاركة في البناء والتطوير واستشراف المستقبل من جانب آخر. وفي ظل ما يشاهد حالياً من ظروف تحيط بالمخترعين والمخترِعات وتشتت أفكارهم وجهودهم وإمكاناتهم مما يفقدهم الحماس أو يعطل الاستفادة من اختراعاتهم، يصبح من الواجب النظر في تحسين تلك الظروف لخلق بيئة رائدة، أكثر استقطاباً لكل مبدع وإبداع، وأكثر فاعلية وتأثيراً في القدرات الابتكارية. وإنني ومن منطلق الحرص والوطنية، أدعو إلى خلق تعاون فعال وبنَّاء بين جميع الجهات ذات العلاقة لبناء وتطوير مراكز للمخترعين والاختراعات في أرجاء المملكة انطلاقاً من مدينة الرياض. ويتلخص مقترحي هذا في بناء مدينة متكاملة لتطوير الاختراعات وتبنِّي المخترعين (وادي الاختراعات Innovation valley) تتولى استيعاب المخترعين في مراحل تطوير مخترعاتهم، والإنفاق على متطلبات التطوير، من خلال إمكاناتها وتجهيزاتها الفنية (الآلات والمعدات والمواد والورش) والإدارية (الجهاز الإداري والفني المطبِّق للضوابط والتنظيمات الداخلية). والفكرة بشكل أكثر إيضاحاً، هي أن يتم إنشاء وإدارة مدن متكاملة تحوي ورشاً ومعامل كبيرة في مختلف مناطق المملكة (ولتكن الرياض المحطة الأولى) تحتوي على الآلات والمعدات والأجهزة والتجهيزات الرئيسة التي يتطلبها عادة تطوير الاخترعات (مختبرات علمية وهندسية متكاملة، ورش حدادة ولحام/ ورش نجارة/ ورش خراطة/ ورش كهرباء/ ورش دهان/ آلات بثق وحقن بلاستيك ... إلخ) وتوفير المواد الأولية والمكونات اللازمة، إلى جانب تكوين الجهاز الفني المساند أو الداعم لتقديم النصح والمشورة في مراحل التطوير المختلفة. ويكون لتلك المدينة مجلس إدارة أو هيئة إدارية عليا تضع التنظيمات والضوابط والاشتراطات وتشرف على تطبيقاتها، وإدارة داخلية متكاملة تطبق الإستراتيجيات والسياسات والضوابط والاشتراطات. كما يكون من مهام تلك المدينة أيضاً، دعم ومساندة وتسهيل ومتابعة إجراءات اختبار نماذج الاختراعات لدى الجهات الأخرى إن لزم الأمر، ودعم ومساندة وتسهيل إجراءات وخطوات تسجيل الاختراعات داخل المملكة وخارجها، وإشهار وتسويق تلك الاختراعات متى ما حصلت على براءاتها، سواء في أوساط المستثمرين الوطنيين بصفة أساسية، أو في الأسواق الدولية، بما يحقق الفائدة المرجوة من تصنيع وتطبيق تلك الاختراعات ويحافظ على مصالح وحقوق المخترعين الذين هم في الغالب من غير ذوي الخبرة في التفاوض والتعاقد. كما يكون من مهامها تسهيل إجراءات وخطوات حصول المخترعين على تمويل من جهات التمويل المحلية إن كانت لهم رغبة في استثمار مخترعاتهم بأنفسهم، ويمكن للمدينة أن تحصل على نسبة من العائد الذي يتحقق من بيع أو الاستفادة من الاختراعات بالاتفاق المسبق مع المخترع. لقد قمت باستعراض أهداف وبرامج الحاضنات الموجودة حاليا، واتضح لي أنها لا تخدم الغرض الذي يتحدث عنه هذا المقترح، مما يدعم فكرته، ويشجع على طرحه. إن ارتباط هذه المدينة مباشرة بخادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه سيمنحها القوة والتأثير والقدرة على الحركة والتصرف، والزخم المطلوب لداء أعمالها وتطورها ومن ثم تفرعها المأمول في أرجاء المملكة. هذا هو تصور أوَّلي للفكرة، يتطلب المناقشة والدراسة والصياغة النهائية ومن ثم تنفيذه لتكون المملكة بحول الله تعالى وقدرته رائدة في هذا المجال في عالمنا العربي الذي يعج بذوي المواهب، ويفتقر إلى البيئات السليمة والمنظمة والمحفزة لاحتوائهم والاستفادة من قدراتهم ومخترعاتهم، ولنا في العالم المتقدم قدوة، فهو عالم قد نما وتطور وتفوَّق بفضل اعتنائه بموهوبيه الذين حملته اختراعاتهم وتطبيقاتها إلى الصف الأول. (*)استشاري صناعي