مضى أكثر من عام على اشتعال الثورة السورية العامة ضد نظام الظلم والاستبداد الطائفي في سوريا، وقد فشل الأسد وأعوانه وداعموه في لبنان وإيران وروسيا والصين في إيقاف الثورة، كما فشل في الالتزام بوعوده الإصلاحية حتى في الحد الأدنى منها. وتحت الضغط الشديد من ثورة الداخل وأطراف عدة في المجتمع الدولي ترتبط مواقفها بعامل الوقت الذي بدأ في غير صالح النظام وحلفائه الدوليين، في هذا الظرف الدقيق والحاسم ظهر على الساحة الدولية ما عُرف بخطة كوفي أنان التي لبها وحقيقتها حبل النجاة لهذا النظام المتداعي المتهالك يوماً بعد يوم، لم تكن هذه المبادرة السياسية تحمل أي معنى للإصلاح أو حتى احترام حقوق الإنسان السوري الذي يُذبح ويُنكّل به في وطنه. وكانت مبادرة كوفي أنان تنطوي على مهلة غير معلنة في بدايتها مما يدل على سوء النية المبيّتة ضد الشعب السوري والثورة السورية فاستغل الأسد وعصاباته هذه المهلة - الأخيرة - وبدعم روسي بالسلاح والخبراء وبدعم إيراني يتمثّل بالمليشيات التي تدور مع فلك الفكر الخميني في لبنان والعراق اتجه النظام إلى الأسلوب الأخير في خطة قمع الثورة والقضاء عليها وهو أسلوب التهجير والإبادة الشاملة، وذلك بعد فشل أسلوب القمع الفردي أو المحدود، فاستبيحت مدن وبلدات بأكملها وأصبح الضحايا والمهجّرين بالآلاف؟ كل هذا يجري وكوفي أنان يتنقَّل بين عواصمروسيا وبكين وإيران يطلب الرحمة والإنصاف للشعب السوري من قاتليه وسارقي حريته وكرامته! لقد كان المنطق الروسي والإيراني واضحاً منذ بداية الثورة وهو استغلال هذه المسألة لإلحاق أشد الأضرار بالأمة العربية والإسلامية وإضعافها ونشر الأحقاد والفتن بين أبنائها وليس هذا بمستغرب لأن كلا النظامين الروسي والإيراني وبإجماع الباحثين في الآراء والمعتقدات يتفقان في وحدة المصدر وهو الفكر اليهودي والعقلية الصهيونية، وهما يعملان مع النظام السوري منذ بداية الأزمة ضمن فريق عمل دولي يمثّلان فيه الوجه البارز الظاهر وتمثّل إسرائيل والولايات المتحدة الوجه الخفي المستتر، وللإنصاف فإن الحكومة الأمريكية في تعاملها مع الثورة السورية واقعة تحت ضغط شديد من اللوبي الصهيوني الأمريكي، فالولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون قد كفروا كفراً بواحاً بالديمقراطية من خلال موقفهم من الثورة السورية. لم يكن النظام السوري ليقدم على هذا القتل والتدمير المكشوف والذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية ومن جرائم الإبادة الجماعية، لم يكن ليقدم على ذلك لولا الدعم الروسي والصيني الذي لا يستطيعان إنكاره، أو التخلّص من تبعاته في مستقبل الأيام، والأيام دول كما يُقال. لكن هل اكتفت روسيا والصين بما حدث وتعادلت كفتها مع كفة حلف الناتو حيال جرائمه في المشرق العربي والإسلامي ولم يعد أحد منهم أسوأ من الآخر؟! هل ينتهي الابتزاز الروسي للغرب بتدمير حمص وريفها وحلب وإدلب والزبداني وريف دمشق ودرعا وغيرها؟ هل قبضت روسيا الثمن مقابل سكوتها عن جرائم الغرب تجاه الشرق؟! بعد كل ما حدث ويحدث يجب أن يعلم الجميع أن الشعب السوري والعربي والإسلامي لن يغفر لروسيا وإيران وميليشياتها جرائمهم بحق الشعب السوري، وإن هذه الجرائم ستظل حاضرة في الوجدان السوري والعربي والإسلامي عقوداً طويلة حتى يتم القصاص العادل. إن تدمير المدن والبلدان وإزهاق الأرواح وانتهاك الأعراض لا يمكن أن يكون إصلاحاً أو سبيلاً للإصلاح أو طريقاً لحل سياسي إنه جريمة وعدوان يجعلان كل من ينفذه ويدعمه هدفاً مشروعاً للمحاسبة، وهو حق تكفله النظم والشرائع كافة. إن منطق القوة لا يعني المشروعية وإلا لكان هتلر محقاً عندما قام بغزو العالم في أربعينيات القرن الماضي، إن حق النقض الفيتو وكذلك المبادرات السياسية، لا تجعل الحق باطلاً ولا الباطل حقاً وإنما غايتها في مثل المسألة السورية أن تكشف عن الانحطاط الأخلاقي والحضاري لدى تلك المؤسسات وتلك الأنظمة التي تنتهج هذا الطريق لشرعنة الظلم والعدوان وانتهاك حقوق الإنسان. أستاذ مساعد بكلية الملك خالد العسكرية*