(أعود إلى المملكة العربية السعودية كما يعود أي مركبٍ إلى مرافئه الأولى، ليتزود بالحب والحنان. أعود إلى بيتي إلى بيت أهلي إلى بيت أجدادي أعود إلى جذوري فالدار داري والأهل أهلي ونهر من الحب والعرفان ينبع من قلبي ويصبّ في كل بيت. أعود إلى أرض المملكة لأستند إلى جدار التاريخ والتراث والانتماء إلى مهد الشعر والشعراء أعود إلى الملكة التي غطتنا بشراسف الحب وفتحت فوقنا مظلة السلام، يوم كان السيف فوق رقابنا والدبابات تطحن عظامنا والكويتيون متناثرين في قارات العالم فبرهنت المملكة أن الأصل يبقى أصيلاً والكبير يبقى كبيراً أن السعودية تبقى دائماً درعنا وقصيدتنا الجميلة). هكذا عبّرت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح في أول زيارة لها إلى المملكة بعد تحرير الكويت، لتقيم أول أمسية شعرية لها بعد انقطاع دام أكثر من خمس سنوات. وسعاد الصباح إذا قالت كل ذلك البوح الحميم ذي النكهة الشاعرة والصدق المضيء والوفاء الدفاق الذي ينبض بالأصالة الحقة، أقول إذا ما قالت (أم محمد) ذلك فهو حقيقة يعبّر عن ذاتها الحقيقية الناصعة، فسعاد الصباح تحب عروبتها التي سببت لها جراحاً دامية أكثر من غيرها من الشعراء العرب الذين (خُدعوا بالعروبة والقومية والوحدة)، وسعاد الصباح هي الإنسانة ذات القلب الأبيض واليد البيضاء التي وقفت أكثر من غيرها مع الفقراء والمحتاجين في بلادها الكويت، فعالجت المرضى على حسابها وأرسلت الطلاب المعوزين إلى الخارج لتكميل دراساتهم العليا وخصوصاً من أبناء (البدون) على حسابها. وسعاد الصباح الكريمة الروح والسخية الطبع والباب المشرع ل(قصرها الأبيض)، للسائل والمحروم واليتيم وعابر السبيل والملتجأ لكل من كشّرت بوجهه الأيام، وسعاد الصباح هي التي افتتحت داراً للنشر للشعراء والكتاب الفقراء العاجزين عن طبع نتاجاتهم الإبداعية على حسابها الخاص والتكفل بتوزيع ذلك النتاج وإعادة ريعه للكاتب ليعيش بكرامة من ذلك الناتج دون أن يضطر للخضوع لدور النشر التجارية التي تهدف للربح. وسعاد الصباح هي صاحبة الجائزة العربية الكبرى للمبدعين العرب أينما كانوا وهي أم النخوة والإيثار والفزعات. واليوم حينما تعبر أم محمد عن غبطتها بالعودة إلى الوطن الأم، فإنها تقرع العقول التي تراكم عليها غبار النسيان إلى ضرورة التضامن والاتحاد والوحدة في محيط يمور بالشعوبية ودعاة التقسيم والطائفية المغلقة لأنها بذلك تدعو أبناء جلدتها إلى العودة نحو الجذور (التاريخية والدينية واللغوية) تحت سماء جزيرتنا العربية الأم التي أثبتت الأيام والمتغيرات والأحداث أنها بالفعل هي بيت العرب وموئلهم الأول ونخلتهم الوارفة إذا ما كشرت لهم أنيابها الأيام. لذا نقول ملء القلب أهلاً ألف أم محمد الشيخة والدكتورة والشاعرة سعاد الصباح.