أغلق مؤشر السوق هذا الأسبوع على مستوى 7573 نقطة محققاً تراجعاً كبيراً، بمتوسط قيمة تداول يومي بلغ 12.7 مليار ريال .. وقد أثار هذا التراجع حالة من الخوف والتذمر على الهبوط الذي استمر طيلة جلسات تداول هذا الأسبوع .. ورغم أن التراجع جاء بقيم متدنية في بداية الأسبوع (السبت وحتى الاثنين) إلا أن حدة الهبوط تزايدت يوم الثلاثاء بما يُناهز 146 نقطة. لا أرى مبررات للتذمر أو لحالة الهلع التي أصابت المتداولين .. فالمؤشر سار منذ أكثر من ثلاثة شهور في موجة صاعدة جاءت حادة في بعض فقراتها، وكان الصعود متواصلاً، وأحياناً يراه البعض غير مبرر بشكل كامل .. ثم إن أرباح المؤشر من موجته الصاعدة بلغت 1893 نقطة على مدى فترة زمنية (130) يوماً .. فهل يعقل أن يستمر هذا الصعود بلا توقف؟ ألا يقابل الصعود تراجع؟ أليس من الطبيعي أن يكون هناك صعود وهبوط؟.. إن التساؤل الأهم: أليس هو سوق أسهم؟ هل يُوجد سوق بلا هبوط؟ هذه الأسئلة أرى أنها ترد نسبياً على من يرون أن أمراً غريباً حدث بالسوق خلال هذا الأسبوع .. إن السؤال الأهم يدور حول : هل هذا التراجع كان بمثابة موجة هبوط أم تراجع للتهدئة وزيادة العزم؟ وقد انقسم المحللون فيما بينهم حول هذا الأمر: فالبعض يراه موجة هابطة والبعض الآخر يراه تصحيحاً أو جنياً مؤقتاً للأرباح يعقبه صعود أكثر قوة .. وفي نفس الوقت هو يمثل اختلافاً بين المؤمنين بنظرية التدخل في السوق، أو المؤمنين بوجود صانع سوق يحرك السوق حسب رؤية تهدف إلى إنعاش السوق في أوقات معينة لجذب سيولة جديدة لها من آن، وذلك خلافاً عن وجهة النظر الأخرى التي تقوم على موجات التحليل الفني، والتي ترى أن السوق يخضع لموجات فنية متخصصة لا يفهمها إلا القليلون الذين يمتلكون القدرة على تفسيرها. تحركات السيولة بداية لفهم أو لتسهيل تفسير الهبوط الحادث حتى الثلاثاء، يجب النظر إلى تحركات السيولة المتداولة بالسوق أثناء فترة الصعود وأثناء فترة الهبوط .. فقد ارتفعت السيولة الأسبوعية حتى وصلت إلى مستوى 92.7 مليار ريال في الأسبوع الثالث من شهر مارس الماضي، وهو أعلى مستوى سيولة تحقق خلال فترة الصعود تقريباً .. وعندما بدأ الهبوط بدأت تتراجع السيولة المتداولة حتى وصلت إلى مستوى 61 مليار ريال تقريباً (عدل للإحلال محل الأحد)، بمعنى أن الهبوط جاء في حدود المستويات العادية للبيع ، وأنه لم يصل إلى مستوى الهلع أو البيع العشوائي بقيم مرتفعة .. بل إن تدني مستويات سيولة الهبوط لا يمكن اعتبارها بمثابة نزيف بيعي، بل هي عمليات تداول لا تزال في حكم العادية، فقط أن البعض من مثيري الشائعات يدفعون المتداولين إلى اعتبارها بيعاً مخيفاً .. وهم أنفسهم يتطلعون للشراء. من هم الخاسرون في يوم الثلاثاء؟ لو تفحصنا معدلات التغير للأسهم في يوم الثلاثاء لاكتشفنا أن معدلات الهبوط لم تكن مخيفة بالشكل الكبير، فلم يهبط بالنسبة القصوى سوى سهم عذيب للاتصالات، والهبوط كان له ما يبرره في الصعود والمضاربات القوية على السهم .. ثم إضافة إلى عذيب لم يكن هناك سوى سهمين تراجعا بمعدلات تزيد عن 5 % ، وهما سهما الجزيرة والبلاد .. فهبوط المؤشر يوم الثلاثاء جاء نتيجة هبوط كل من سابك والراجحي بنسب 2.6 % و2.2 %، وهما وحدهما كفيلان بالتسبب في خسارة المؤشر لنسبة 1.9 % .. أكثر من ذلك، فقد كان هناك (19) سهماً رابحاً يوم الثلاثاء، علاوة على (9) أسهم لم تتغير قيمتها .. أي أن هبوط الثلاثاء لم يكن هبوطاً جماعياً بالمعنى المعروف، وإنما كان هبوطاً غلبت عليه تصحيحات لأسهم صعدت بنسب غير مبررة. سهم عذيب .. تداولات بالنسب القصوى فقط ما إن أعلنت هيئة السوق المالية عن رفع تعليق تداول سهم عذيب حتى عاد ليتصدر الأسهم الرابحة بالنسبة القصوى لمدة (9) جلست تداول متتالية .. لذلك، في ضوء ربحية السهم لنسبة 112% خلال فترة قصيرة، كان من الطبيعي أن يهبط بالنسبة القصوى عند تراجع مؤشر السوق ككل. محددات موجة المؤشر حالياً إن مؤشر السوق هذه الأيام محكوم بعدة عناصر هامة، هي أولاً: إنه لا يزال هناك محفزات لمؤثرات مستمرة ولم تحدث حتى الآن حتى يمكن القول بانتهاء الموجة الصاعدة، فهي موجة صاعدة مدفوعة بفترة هبوط طويلة، وبتراكم محفزات إيجابيات لم يستجب لها السوق .. وهو الأمر الذي يدعم القول بأن الهبوط الحالي هو هبوط للتصحيح والتهدئة قد يكتسب المؤشر مزيداً من العزم لصعود أعلى .. ولكن إلى أين؟ وهل يسمح الصنّاع بصعود أعلى من ذلك؟ والسوق مقبل على الانفتاح لأطراف تعتمد على القيم العادلة الحقيقية لدخول أو تفضيل سوق عن غيره؟ ثانياً: إن صنّاع السوق ليس من المتوقع أن يقبلوا حدوث صعود مبالغ فيه ولفترة طويلة، لأن تجارب الماضي لا تزال في مخيلتهم، وبالتالي لا يمكن أن يسمحوا بصعود يُكون فقاعة مثل فقاعات الماضي .. وهم على استعداد للتدخل المباشر لمنع حدوث ذلك الصعود الذي يتجاوز القيمة العادلة للمؤشر، والتي اتفق كثيرون على أنها لا تتجاوز 8500 نقطة، وبالتالي فإن التكهن بمنع تجاوز المؤشر لهذا المستوى يُعتبر أمراً وارداً. ثالثاً: إن السوق يستعد للسماح للأجانب بالتداول المباشر، وهذا الاستعداد يحتاج إلى تهيئة السوق لكي يكون قادراً على منافسة الأسواق الإقليمية في جذب المؤسسات الاستثمارية أو جذب المستثمرين الرئيسيين، وهو ما لا يمكن أن يحدث في ظل صعود مبالغ فيه .. كما لا نتوقع أن تحدث موجة هبوط معادلة لموجه الصعود، لأن السماح بحدوث هذه الموجات المبالغ فيه تظهر السوق المحلي بشكل السوق المضطرب، وهو ما يقلل من فرص تنافسيته دولياً أو إقليمياً .. لذلك، أعتقد أن الموجة الهابطة لن تأخذ مؤشر السوق إلى منطقة الانطلاق الأولى عن بداية 6038 نقطة مثلاً، ولكن الهبوط سيتوقف قريباً. رابعاً: أعتقد أن الصنّاع صعدوا بموجة صاعدة وقوية لأن منطقة جديدة لاستقرار مؤشر السوق هي المستهدفة، والتي عندها يستقبل الأجانب. لذلك، فإني لا أعتقد في الموجات الفنية لتحريك المؤشر، ولكني أؤمن بمنطق وجود صنّاع وأن هناك أهدافاً مطلوبة، وأن المضاربات وحركة التداول ككل تسير على هدى من رغبة هؤلاء الصنّاع .. لذلك، فإن الأمر غير مخيف، وأن تراجعات الماضي (2006-2007) غير واردة في عام 2012م طالما تحدث بعيداً عن الاضطرابات السياسية.