كان حفل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيسها فرصة تاريخية لاستذكار الدورالذي قامت به هذه الجامعة في مجال البحث العلمي.. وقد ألقيتُ بعض الضوء حول ذلك في مقالة سابقة.. لكن البحث العلمي رغم أهميته ورغم كونه وظيفة أساسية من الوظائف التي تقوم بها أي جامعة ناجحة إلا إنه لم يكن هو التميز الوحيد لجامعة البترول.. لقد تميزت تلك الجامعة أيضا، بجودة مخرجاتها الطلابية، وخير دليل على هذه الجودة الترحاب الكبير الذي يلقاه خريجو الجامعة عندما يتقدمون إلى سوق العمل سواء من قبل شركات و مؤسسات القطاع الخاص أومن الوزارات والجهات الحكومية. يقول رئيس شركة أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين المهندس خالد الفالح في المحاضرة التي ألقاها خلال احتفال الجامعة:» نبعث أكثر من 2000 طالب سنوياً لأفضل الجامعات في العالم. لكن دراساتنا أكدت أن خريجي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن هم الأفضل».. وقد ذكر الفالح أن أكثر من نصف مهندسي الشركة الذين يبلغون 5000 مهندس من خريجي الجامعة وأكثر من نصف قياداتها من خريجي الجامعة». وانطلاقاً من اقتناع شركة أرامكو بمستوى طلبة الجامعة ورضاها عن أدائهم العملي تتعاون الشركة مع الجامعة في إنشاء كلية متخصصة في تقنيات وهندسة البترول وعلوم الأرض. وتطمح الجامعة، حسب مدير الجامعة، إلى أن تكون هذه الكلية «واحدة من أفضل خمس كليات مثيلة على مستوى العالم في أقل من عشر سنوات» وذلك من خلال التعاون مع شريكها الاستراتيجي: شركة أرامكو السعودية. إن خريج جامعة البترول لا يواجه أي صعوبة في دخول سوق العمل.. وسبب ذلك يعود إلى مكونات العملية التعليمية التي تتم في الجامعة وإلى الأسلوب الذي تؤدى به هذه العملية. وسيطول الحديث عن هذا الجانب، لكنني أكتفي بالإشارة إلى «البرنامج التعاوني» الذي لابد أن يمر به أي طالب قبل تخرجه من الجامعة. فلكي يتم تجسير الفجوة بين بيئة العمل الحقيقية وما تعلمه الطالب على مقاعد الدراسة تشترط الجامعة أن يُمْضي الطالب فترة تدريبية طويلة في بيئة عمل فعليَّة حيث يمارس مهام العمل وفق تخصصه الدراسي في شركة من شركات القطاع الخاص أو في جهة مناسبة لتخصصه سواء في داخل المملكة أو خارجها. وهذا البرنامج التدريبي ليس برنامجاً شكلياً وإنما برنامج طويل يتم احتساب ساعاته ضمن الساعات المطلوبة للتخرج ويقوم الطالب بتقديم دراسة عما حققه أمام لجنة من الأساتذة تناقش البحث. أتذكر أثناء عملي في الجامعة أن جميع الطلاب الذين أشرفتُ على مهامهم التدريبية قد توظفوا فور تخرجهم في نفس الشركات التي تدربوا فيها.. وهذا ليس مستغرباً لأن تلك الشركات تكون قد عرفت مستوى الطلاب الذين تدربوا لديها، كما أن الفترة التدريبية تكون بمثابة استثمار من قبل الشركات في هؤلاء الطلاب مما يجعلها تحرص على استقطابهم بعد أن عرفوا طريقة العمل فيها عن قرب. يضاف إلى هذا المبادرة الرائدة لجامعة البترول «يوم المهنة» الذي استحدثته الجامعة، ويتم فيه لقاء بين الطلبة والجهات الموظِّفة بطريقة عملية غير تقليدية مما يجعله فرصة حقيقية لتوظيف الطلاب بمجرد تخرجهم. إن الحديث عن نجاح خريجي جامعة البترول في دخول سوق العمل لا يقلل من تميز ونجاح زملاء لهم من خريجي الجامعات الأخرى في المملكة. كل ما في الأمر أن توفير مناهج وأساليب تعليمية وتدريبية جيدة كفيل بكشف مواهب وقدرات المواطن السعودي الذي كثيراً ما يُظلم من خلال التشكيك في قدراته في سوق العمل، كما لو أن ثمة ضعفا يكمن في صفاته الوراثية..!