إبان حرب السوفييت في أفغانستان تكبد السوفييت خسائر جمة، على مستوى الأرواح والعتاد، وصولا لخسارتهم السيطرة على أفغانستان، واستقلالها عن الاتحاد السوفييتي، مما أدى لاحقا لانهيار الاتحاد السوفييتي وتكوين دولة روسيا. تعتبر روسيا ثم دول أمريكا الجنوبية من أبرز الحلفاء للدول العربية الديكتاتورية، ذات الحكم العسكري والنفس الشيوعي، أمثال العراق وليبيا وسوريا، ولذا تشعر روسيا بالندم على تهاونها في دعم نظام صدام حسين ثم القذافي. هذه الدول وأعني عراق صدام حسين وليبيا القذافي، وصولا لسوريا الأسد هم أحسن زبائن للسلاح الروسي، الذي يستخدم عادة لقمع الشعوب، لا لحماية الأوطان، وتتميز سوريا بوجود القاعدة الوحيدة لروسيا على المتوسط في طرطوس. شعور الندم الروسي على عدم دعم ليبيا القذافي في نقض قرار مجلس الأمن، مع إدراك أن سقوط نظام الأسد هو خسارة لآخر موطأ قدم في المتوسط، دفعا روسيا لنقض أي قرار باتجاه إسقاط النظام في سوريا، مع التنسيق الجاد مع الصينيين لاتخاذ القرار نفسه. روسيا بوتين هي دولة مادية، حاولت الحصول على المال من الإيرانيين لنقض قرار مجلس الأمن ضد سوريا وقد كان، ثم محاولة الحصول على المال من الخليجيين للتنازل عن الفيتو، مع محاولة إبداء حسن النية عبر زيارة المسؤولين الروس للرياض، ثم حضور سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا لاجتماع جامعة الدول العربية، والمنعقد في القاهرة في 10 مارس 2012، ولكنهم جوبهوا على غير المعتاد بتصريح وزير خارجية قطر بأنهم طلبوا مبلغا كبيرا، ثم تصريح العاهل السعودي بأنه وجب على الروس التنسيق قبل الذهاب لمجلس الأمن لاستخدام الفيتو. ثم خرج علينا وزير خارجية روسيا بتصريح صادق ووقح، ضمن تصريحاته اليومية بصدد الأزمة السورية، قائلا بأن القوى الغربية لن تسمح بحكم سني في سوريا، متزامنا مع التقهقر في الموقف التركي الذي كان أكثر المواقف شجبا لما يحدث في سوريا، بعد زيارة أردوغان لأمريكا. روسيا في موقفها من سوريا يبدو أنها تعيد أخطاءها في أفغانستان عبر دعمها للأقلية، بعد أسبوع من انتخابات الرئاسة التي وصمت بكثير من الغش والفساد، والتي أدت بالنتيجة لعودة بوتين إلى الكرملين. سوريا اليوم يدعمها الإيرانيون، بالعدة والعتاد عبر العراق، وعبر ذراعها في لبنان حزب الله، كما أن روسيا وصلت من الوقاحة أن أرسلت قوات مكافحة للإرهاب إلى قاعدتها في طرطوس، ثم عادت روسيا وأنكرت ذلك، ثم عادت وأقرت به وبررت ذلك بضمانة خروج آمن للروسيين من سوريا. ورأيي أن الدب الروسي فقد بوصلته، وعاد لمستنقع أفغانستان مرة أخرى، وأرى أن السوريين الأحرار ماضون في طلب حريتهم ولو كان الثمن دماءهم، فلم يبق بيت في سوريا لم تتلطخ جدرانه بالدماء، وقد مات أقوى أسلحة النظام السوري وهو الخوف.