من نافلة القول أن لكل شيء نهاية , إلا أن بعض النهايات قد تكون بداية لانطلاقة مبدعة حتى وإن كانت نهاية موسومة بالألم والمرارة , التقاعد من العمل كلمة مرادفة في مفهومنا لكلمة النهاية ولكن نهاية ماذا ؟ هل هي نهاية العطاء والقدرة على الإنتاج ؟ هل هي نهاية روح الحماسة ؟ أم هي نهاية الحيوية والنشاط ؟ أم لعلها نهاية الإيمان بقدراتنا ومهاراتنا ؟ أياً تكن الإجابة على تساؤلاتنا , فإنها غير صحيحة حتى وإن كانت قد رسخت في الأذهان , التقاعد ليس مرحلة عمرية آسنة , التقاعد ليس جداراً قائماً بين منطقتين متباينتين حتى وإن كان قائماً بين مرحلتين عمريتين مختلفتين , التقاعد جسر يربط بين منطقتين متكاملتين في العطاء وحس الانتماء واستمرار التوهج , لا شك أن مغادرتنا الأخيرة لمكان عملنا توشك أن تكون كمغادرة الروح للجسد , لمَ لا ؟ ونحن نغادر حياة بأكملها , ولكن لم لا تكن هذه المغادرة من حياة إلى حياة جديدة لم نعشها رغم ما قطعناه من سني , لمَ لا تكن هذه النهاية فاتحة لعهد جديد لا ينفصل عن عهد بات قديماً ولا يقل كثيراً عنه , كثيرة هي التفاصيل الحميمة والأشياء الجميلة التي لم نعشها ونحن في معترك الوظيفة , لنعد إلى ذواتنا التي غابت وغبنا عنها كثيراً , لننظر حولنا بأعين مغايرة تستطيع النظر في اتجاهات شتى لنرى ما لم نكن نراه حينها رغم أنه على قرب منا , لينظر كل منا ما الذي يستطيع أن يقدمه من عطاء تبعاً لقدراته وإمكاناته وما أورثته الأيام والعمل من خبرات حتى لا تتعطل قدراتنا وطاقتنا التي كنا نبذلها بالأمس , الأمر الذي قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية , قد يستطيع البعض منا التطوع في الأعمال الخيرية التي ترعاها المؤسسات الحكومية والأهلية، إذ لا شك أنّ هذا عمل إنساني نبيل له تأثيره الإيجابي على حياة الفرد والمجتمع , لننفض غبار الأيام عن هواياتنا التي أهملناها دون خيار منا , لنوثق صلتنا بخالقنا ونجلو صدأ الروح ونذهب السيئات بالحسنات وما منا إلا وله ذنوب أثقلته, لنصل من قطعناهم ونعطي من حرمناهم ثراء أرواحنا وفيض عواطفنا التي حبسها طلب الرزق , إن هناك الكثير من الأنشطة الذهنية والبدنية التي يمكن لنا أن نستثمر طاقاتنا من خلالها لئلا تتعطل هذه الطاقات في ظل عدم إيماننا وتسليمنا بحتمية التغير والتقدم العمري وأن كل إنسان قادر على العطاء بما يتلاءم مع مرحلته العمرية وقدراته وليس منا من لم يملك ولو بصيصا من مهارةأو إبداع هو قادر على تفعيلها حين يريد , فقط هي الإرادة والرغبة والثقة في النفس وعدم الركون للخمول حتى لا نموت قاعدين بل لنموت كالأشجار المعمرة واقفين يدنا تعمل وعقلنا يبدع وقلبنا يخفق.. تلك هي الحياة , لقد شاء الله أن أتقاعد من عملي لأسباب صحية وإني لأرجو أن يكون يومي وغدي استمراراً لعطاء الأمس لوطني الذي أعطاني الكثير ولم يمنن ولم يستكثر عضو هيئة تدريس ( سابقاً ) كلية العلوم - جامعة الأميرة نوره بنت عبد الرحمن