عندما نتعرض إلى حل قضية ما أو الحكم على أمور قد تواجهنا فإن المفكر يجب أن يتسلح بعدة عناصر ويدخل هذه القضية في هذا المختبر ليحاول تفكيكها ويجمع المعلومات عنها وما تهدف له ليصل بعد ذلك لإطلاق الحكم عليها. فالمسلم مأمور بالتفكر والتمحيص قبل إصدار القرار أولاً لأنها عبادة يتقرب بها وثانياً لأنه محاسب على كل لفظة يطلقها قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. واهتم الدين الإسلامي الذي حثّ المسلم بأن يكون من أولي الألباب والمفكرين باستخدام التفكير وفق منهج رباني يوصله إلى الحقيقة ومن هنا كان من أهم السمات التي تزل بها القدم وتميل عن التفكير القويم هو الظن وعدم التثبت واليقين وتندرج تحت عدة نقاط: 1- عدم التثبت والتأكد في أمر من الأمور وهذا ما يكثر في الشائعات التي تنتشر في الأوساط وتتناقل بين الناس لتصبح ككرة الثلج وقد بيّن البارئ في حادثة الإفك وتناقل الناس بدون تثبت في قوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]. وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6]. وهذا ما نلاحظه عند بعض الناس اقتصاصهم لبعض المقاطع الصوتية والمرئية ونشرها والتعليق عليها بدون تثبت المستقبل لها وهذا ما فعله المستشرقون بأخذ بعض الآيات القرآنية واتهام الدين بأنه دين قتال وغير ذلك. لكن ما يحزن اتباع المسلمين هذه الطريقة مع أن القرآن حثّهم ووضح لهم سبل التثبت. 2- الجدل العقيم الذي لا يستند على أدله وإنما على الأوهام والهواء قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج: 34] 3- عدم صلاحية الظن والذي نلاحظ أنه تمادى ليتدخل في معرفة النيات مع أنه لا يعلم بالنية إلى الله سبحانه وهذا ما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه عندما قتل أحد الصحابة رجلاً قال لا إله إلا الله ولما علم الرسول الكريم قال هل كشفت عن قلبه وكررها. 4- استعمال العقول في المجالات التي توصل للحقائق وتكون مرتكزة على أدلة منطقية مقنعة للعقل وهذا لا يعني أن يكون يقينًا ثابتًا فالعلم يعمل حساب للتغيير والتطوير المستمر، أما الغيبيات التي لم يرها الإنسان فالكلام فيه لغو وعبث وإهانة للعقل مثل ادعاء أن الملائكة بنات الله تعالى عمّا يقولون. وهذه أحد مقاييس التفكير الموضوعي المنهجي في إطلاق الأحكام وفق المنهج الإسلامي.