منذ تولي خادم الحرمين الشريفين زمام الأمور في هذه البلاد استشعر -حفظه الله- مشكلة البطالة، وشرع في إيجاد حلول مستدامة للقضاء عليها وعدم الاكتفاء بالحلول قصيرة الأجل التي لن ترقى إلى طموح المواطن. في هذا الصدد روعي أن الدولة لن تستطيع استيعاب هذه الأعداد على المدى الطويل وأنه من الأنفع أن تشجع القطاع الخاص على استيعابهم لتضمن لهم فرصاً وظيفية أفضل ومجالاً أوسعاً للإبداع والتنمية الذاتية. ومن هذا المنطلق وجب على الدولة توفير الجامعات والكليات المهنية والصناعية الكفيلة بإعداد وتخريج نشء قادر على العطاء ومتوافق مع متطلبات القطاع الخاص. ولم تكتف الدولة بذلك، بل فتحت مجال الابتعاث الخارجي على مصراعيه للتعجيل بتوفير هذه الكفاءات الوطنية حتى أصبحت نسبة الطلبة الجامعيين هذه الأيام من مجموع خريجي الثانوية العامة يعادل 90%، وهي على لسان وزارة التعليم العالي أعلى نسبة في العالم (أمريكا تستوعب 60% فقط). بقي للطالب أن يختار المجال الذي يعود عليه بالنفع والاجتهاد في تحصيله وليس للدولة يد في ذلك. من جهة أخرى، سنت الدولة قوانين السعودة ووصلت بها إلى برنامج «نقاطي» المطبق اليوم والمعني باستيعاب هذه المخرجات الوطنية إن هي حرصت على العمل (ونحن أدرى بطبعنا)، ناهيك عن برامج توظيف المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها من المبادرات. أما من ناحية الخدمات الصحية، فالدولة شارعة الآن على قدم وساق في التوسعات وبناء المدن الصحية الضخمة والمراكز الصحية في جميع أنحاء المملكة لتزيد طاقتها الاستيعابية 3 أضعاف ما هي عليه الآن وهو أعلى نسبة مريض لسرير حال انتهائها. والإسكان الذي بدأ بتسليم باكورة وحداته التي نفذها في السابق والشارع في الانتهاء من تصاميم الخمسمائة ألف وحدة لتستوعب مليونين وخمسمائة ألف فرد من أفراد هذا البلد الكريم. وتوطين الصناعة والتعدين لتصبح هذا البلد من أكبر البلاد في طاقتها الإنتاجية الصناعية، كما هي عليه في إنتاجها للنفط الخام. ودعم الكهرباء والمياه والوقود للمستهلك محلياً، ويعرف هذا جيداً من عاش بالخارج وقارن. وإجبار أذرع الدولة الاستثمارية على الاستثمار في البلد بشكل كبير، والاحتفاظ بمصادر وممتلكات هذه البلاد في الخارج لتصبح رابع بلد مالك للصكوك الأمريكية في العالم بما يقدر بخمسمائة ألف مليون دولار أو يزيد. كل هذا ولم تلمس الدولة احتياطيها والذي يعد أكبر احتياطي نقدي في العالم اليوم ومخصص بالكامل للأجيال القادمة واحتياجات الدولة في المستقبل بغض النظر عن تزعزع أسعار النفط الذي يعد الرافد الأول لاقتصادنا. يبقى الفساد، ويجب الاعتراف بوجوده، وهو من شقين. الأول هو تعثر بعض مشاريع الدولة والمبالغة في قيمة إنشائها، وهذا يعزى إلى كثرة مشاريع الدولة في آن واحد مع قلة المقاولين القادرين على التنفيذ والمواد الخام وضعف أجهزة إدارة المشاريع على التحكم بها. وحلها بسيط وهو إعادة تفعيل وزارة الأشغال العامة وإحالة كل المشاريع (فوق سقف معين) إليها واستعانتها ببيوت خبرة عالمية ليسهل المتابعة من الجهات الرقابية وتخضع لنظام واضح وشفاف في الترسية ومتابعة مشاريع الدولة. والشق الثاني هو الفساد الشخصي وهو الأصعب، وقد أمر خادم الحرمين بهيئة الفساد كجهة للحد منه قدر الإمكان، ويبقى الحكم على أدائها منظوراً. وعلى كل حال فهو محصور في نطاقات ضيقة (مع كبر حجمها) مما يسهل الإحكام عليها في ظل وجود قوانين وأنظمة شفافة. وموقف المملكة السياسي الثابت من جميع القضايا الإسلامية والعربية والدولية شاهد في جميع المحافل. فالدولة حريصة على التآلف والتعاون وعدم التجاوز في كل ممارساتها، ولا تزج بأبنائها ومواردها جزافاً ولا يهمها شهرة أو مكانة دولية، بل تسعى لنشر دينها وتسابق على إحلال السلام والحد من الزحف العرقي والمذهبي بكل ما تستطيع وبالطرق الواضحة الجلية التي لا تخفى على لبيب، وتكاد تكون الدولة الوحيدة الناشرة لدين الله عبر وزارة مخصصة لهذا الغرض. واعلم أن بعض المبادرات قد لا تنجح ولكنها لن تثني هذه البلاد عن البذل في سبيل ثوابتها. وفي قضية السجناء، أتفق تماماً بالمطالبة بمحاكمتهم. ولكن يجب لفت الانتباه أن سبب سجنهم في المقام الأول هو التحريض الصريح على الدولة أو إعلان شق عصا الطاعة والعمل على ذلك. وأكاد أجزم أن جلهم ممن عمل على ذلك ولم يرتدع لتنبيه أو تحذير وأن ما نادوا إليه هو بهتان ومبني على ظنون مغلوطة تطال الدولة بغير وجه حق ولا بينة مثبتة مما يؤثر على الرأي العام ويترتب عليه آثار سلبية هي في الأساس مغلوطة. وهم الآن على الشاشات ينادون بعكس ما كانوا عليه مما يدل على قصورهم الفكري أو محاولتهم ركوب موجات لجذب أكبر عدد من المتابعين ولو تطلب ذلك تنازلهم عن كل ما كانوا يدعون إليه. وهذه حقيقة أسأل الله أن يهدينا ويهدي من ابتلي بها على الثبات على الحق. الجدير بالذكر أن الدولة لم تمن في يوم من الأيام بما تفعله تجاه المواطنين وتعده واجباً عليها (وهو كذلك)، ولا أعتقد أن هناك دولة تفعل ما تقوم به هذه البلاد المباركة على اتساع رقعتها وعدد سكانها، فإذا ما قارنا الإنفاق الحكومي على المرافق العامة بالنسبة لعدد السكان لفاق كل الدول نسبة بما فيها الدول التي غالباً ما نقارن أنفسنا بها (وهي مقارنة غير عادلة). ويجب بيان أن كل ما ينادى به هو مطبق على أرض الواقع والوقت هو العامل الوحيد المتبقي، إذْ ليس من العقل أن نتوقع تطبيقها لحظياً، وعلينا أن نتذكر بأن ما شرعت به الدولة هو شبيه بما قامت به دول استغرقها تحقيقه خمسة عقود أو أكثر إلى أن وصلت مبتغاها. هذا موجز لبعض الحقائق، ومن يرى غير ذلك فله الحق في الاختلاف بالرأي.. أما من يتلون بتغير الأحداث -وهم كثر- فلا عزاء لناعق أو مغرد خارج السرب... دمت يا بلادي شامخة عزيزة ودام أبناؤك كريمين وفيين.