نعم، إنه ذات المشهد الذي يتكرر في كل موسم انتخابي أمريكي، وذلك عندما يتحدث رئيس أقوى وأعظم دولة في العالم أمام مؤتمر إيباك الصهيوني، والرئيس أوباما لم يكن بدعا من الرؤساء، عندما وقف قبل أيام خاضعاً في مؤتمر هذه المنظمة التي لا يمكن لأي سياسي أمريكي يطمح بمنصب هام إلا بعد أن تصادق على صلاحيته، وخلوه من العداء للسامية، وإخلاصه لدولة إسرائيل أولا، ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية العظمى ثانياً!. بعد نهاية المؤتمر، عقد الرئيس أوباما لقاء مع السيد «نتن يا هو» في البيت الأبيض، وكالعادة كان الأول يجلس القرفصاء، يستمع بإنصات شديد لما يقوله سيد تل أبيب، لدرجة استفزت بعض الكتاب الإسرائليين، والذين نصحوا أوباما بأن يضع حداً لهذه السيطرة الإسرائيلية احتراماً لسمعة الولاياتالمتحدة!. على الطرف الآخر تسابق المرشحون الجمهوريون للرئاسة على كسب ود إسرائيل، فهم في سباق مع الرئيس أوباما على هذا الشرف، وكلهم يعلم أن من ترضى عليه «إيباك» سيحظى بأكبر الفرص لقيادة الولاياتالمتحدة، وبالتالي قيادة العالم. أنا لا أتحدث هنا من منطلق عروبي أو إسلامي، فهذه حقائق تحدث عنها كثير من المثقفين الأمريكيين خلال العقود الماضية، وأبرزهم نعوم تشومسكي، والذي يذهب بعيداً في رؤاه للسياسة الأمريكية المختطفة، ولذا فهو محروم من الظهور الإعلامي بأي شكل، وتتم محاربته في كل حين، مع أنه واحد من أهم وأبرز المفكرين في التاريخ البشري. ومثله الكاتب الذائع الصيت بات بوكانن، والذي تجرأ يوما وقال «إن مبنى الكابيتول -أي الكونجرس- أرض محتلة من قبل اسرائيل». لم يسبق أن بلغ السوء بمرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة مثل ما هو الآن، اذ إن الوحيد المؤهل من بينهم هو عضو الكونجرس عن ولاية تكساس، الدكتور رون بول، فهو وطني حتى النخاع، ومثقف، ويعرف تماما ما تريده الولاياتالمتحدة لانتشالها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وأنا على يقين بأنه الأبرز والأفضل تأهيليا، لو كان الأمريكيون يفقهون، ولكن تبقى مشكلته أنه لم يحصل على براءة من «ايباك»، إذ سبق وأن تجرأ وتحدث بسوء عن حجم المساعدات الأمريكية لإسرائيل، ولذا فإن حظوظه بالترشح ناهيك عن الفوز بالرئاسة شبه معدومة، فالإعلام الصهيوني الذي تحركه «إيباك» يظهره بمظهر العاجز، الذي سيقود أمريكا إلى الهاوية، أما الشعب الأمريكي فهو مغيب في لجة هذا الإعلام الهادر، وحفلات المسابقات الرياضية والفنية التي لا تنتهي، ولذا يكتفي بما تنقله له وسائل الإعلام عن هذا المرشح أو ذاك، ثم يكون حكمه النهائي عطفا على ذلك. وختاماً، ما الذي جعل «إيباك» تنال كل هذه الحظوة؟، والجواب ببساطة هو أن القائمين عليها ومن وراءهم عملوا وعملوا -بصمت- على مدى عقود طويلة حتى تحقق لهم ما يريدون، وما زالوا يعملون. فاصلة: «رفع الصوت هو أكبر علامات الخواء الفكري وقلة الذكاء»... ارنست نيومن.