لم يكن يوم العمال العالمي في أوائل سبتمبر الماضي مجرد مناسبة لعودة الأطفال الأميركيين إلى مدارسهم، لكنه كان أيضا بداية موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بالإضافة إلى انتخابات الكونجرس لجميع أعضاء مجلس النواب الأمريكي و33 عضوا في مجلس الشيوخ في نوفمبر 2012. على مدى الشهور الاثني عشر المقبلة، ستجذب هذه الانتخابات -خاصة الانتخابات الرئاسية – اهتماما كبيرا في جميع أرجاء الولاياتالمتحدة وتغطي على جميع القضايا الأخرى تقريبا، وسوف تتشكل خلالها مواقف كلا الحزبين حيال القرارات السياسية الهامة في قضايا الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن القومي. حتى قضايا الحرب والسلام ستتأثر بالمنافسة على الرئاسة. كيف ستؤثر القرارات على الناخبين؟. الرئيس أوباما، بإعلانه عن حملة إعادة انتخابه في وقت مبكر من هذا العام، وعد بأن يجمع مليار دولار في المساهمات من أجل حملة إعادة انتخابه – وهو رقم قياسي من التبرعات-.وعلى الرغم من الاختلافات الحزبية الهامة بين الديمقراطيين والجمهوريين حول معظم القضايا الحاسمة، فهناك مجموعة واحدة واثقة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بأنها ستكون هي الفائزة. أنا أشير هنا بالطبع إلى اللوبي الصهيوني وإسرائيل. بعض الأحداث الأخيرة تسلط الضوء على ثقة هذه المجموعة بأن إسرائيل ستستمر في إملاء قرارات البيت الأبيض والكونجرس المتعلقة بإسرائيل والشرق الأوسط. في شهر أغسطس، خلال عطلة الكونجرس، سافر وفد من 81 عضواً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس النواب إلى إسرائيل. هذا العدد يشكل 20% من إجمالي المجلس. ضم الوفد 55 عضواً جمهورياً و 26 من الحزب الديمقراطي، بما في ذلك عدد من أعضاء الكونجرس المنتخبين حديثا والذين حصلوا على المنصب لأول مرة في يناير 2009 ويناير 2011. الوفد كان يقوده اثنان من قادة الكونجرس: ستيني هوير (ديمقراطي)، وإريك كانتور (جمهوري). التقى الوفد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس شيمون بيريز. في وقت سابق من العام، كان هوير وكانتور قاما معا برعاية قرار يدين الجهود الفلسطينية للانضمام إلى الأممالمتحدة، متجاوزين بذلك “عملية المفاوضات” المزورة التي تقودها الولاياتالمتحدة. وقد أيدت الغالبية العظمى من الديمقراطيين والجمهوريين هذا القرار.نفس الغالبية الكبيرة من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ قدمت لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أكثر من 30 وقفة تصفيق حار عندما ألقى كلمة في جلسة مشتركة للكونجرس في يوليو، بالرغم من أن نتنياهو استغل مناسبة زيارته لواشنطن لانتقاد الرئيس أوباما علنا، خلال اجتماع ومؤتمر صحفي في المكتب البيضاوي، والذي حضرته جميع وكالات الأنباء الأميركية الرئيسية. نتنياهو دان إشارة أوباما إلى حدود 1967 كإطار لمفاوضات السلام. الرئيس أوباما، الذي كان بحاجة ماسة لإثبات تأييده لإسرائيل، كرس الخطاب الذي ألقاه في سبتمبر 2011 في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمهاجمة السلطة الفلسطينية بسبب تحديها لإسرائيل والولاياتالمتحدة في سعيها للحصول على عضوية الأممالمتحدة. الرئيس أوباما تعهد باستخدام الفيتو ضد الطلب الفلسطيني إذا وصل إلى مجلس الأمن للتصويت عليه. خلف الستار، انضم أوباما إلى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك للضغط على أعضاء مجلس الأمن كي يصوتوا ضد الطلب الفلسطيني أو يمتنعوا عن التصويت. مطلع نوفمبر الماضي، أعلنت بريطانيا، وفرنسا، وكولومبيا، وجميعها دول أعضاء في مجلس الأمن كان يتوقع أن تؤيد الطلب الفلسطيني، أنها ستمتنع عن التصويت. الرئيس أوباما كتب حتى إلى الرئاسة في البوسنة ليضغط عليهم للتصويت ضد القرار أو الامتناع عن التصويت. الرئيس أوباما يواجه في الحقيقة تحدياً صعباً لإعادة انتخابه. وهو يعتمد على اللوبي الصهيوني كي يتمكن من الوصول إلى هدفه في جمع مليار دولار. وبدون الدعم القوي للوبي الصهيوني، فإن فرصه في الفوز تتضاءل كثيرا. هذه هي الرسالة التي يستلمها كل يوم من كبار مساعديه في الحملة الانتخابية ومن كبار مستشاريه، بما في ذلك خبير الشرق الأوسط في البيت الأبيض دينيس روس، ورئيس حملته الانتخابية دافيد إكسلرود. الرئيس أوباما لن يفعل شيئاً ليخاطر بذلك الدعم الصهيوني خلال الأشهر المقبلة.وفيما كانت هناك لحظات خلال السنوات الثلاث الماضية لم يكن خلالها اللوبي الصهيوني واثقا من تأييد الرئيس أوباما لإسرائيل – كما حدث عندما ألقى خطابه الشهير في القاهرة في 2009-، ليس هناك أدنى شك حول التأييد المطلق لجميع المرشحين الجمهوريين للرئاسة، باستثناء النائب عن تكساس رون بول. الإعلام المؤيد للصهيونية قام بتهميش بول وأعلن بشكل مسبق أنه لن يتمكن من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، على الرغم من أنه أبدى حضوراً قوياً في استطلاعات الرأي المبكرة في آيوا وبعض الولايات التي يضمن الجمهوريون الفوز فيها.إسرائيل واللوبي الصهيوني أمضوا عقودا في بناء كتلة القوة الصهيونية المسيحية داخل الحزب الجمهوري المماثة لكتلة “الصهاينة الليبراليين” في الحزب الديمقراطي. سأعود للحديث عن هذه الكتل في مقالات قادمة، لكنني سألقي فيما يلي نظرة أكثر تفصيلا على الوفد الذي ضم 81 عضو كونجرس الذين قضوا عطلتهم الصيفية يتلقون التعليمات في إسرائيل.تلقى الوفد التمويل من منظمة تبدو غير مؤذية، وهي المؤسسة التعليمية الأمريكية الإسرائيلية. لكن نظرة متعمقة تكشف نفس اليد الصهيوينة المعروفة. فقد تم إنشاء المؤسسة التعليمية الأمريكية الإسرائيلية في 1990 كمنظمة داعمة لمنظمة (إيباك) – وهي تمثل اللوبي الإسرائيلي الرسمي في الولاياتالمتحدة. وقد تشكلت المؤسسة بتمويل مباشر من الملياردير تشارلز شوسترمان، الذي يعمل في مجال النفط، وزوجته لين، وكلاهما عضو في مجموعة سرية من الصهاينة الأثرياء معروفة باسم (مجموعة ميجا). أعضاء هذه المجموعة يلتقون مرتين في العام ليقرروا كيف يوزعون ثرواتهم المعفية من الضرائب لتخدم إسرائيل والصهيونية بأفضل السبل. أحد أهم مشاريعهم كان (مؤسسة الدفاع من أجل الديمقراطية)، وهي مؤسسة أبحاث تابعة للحزب الجمهوري يسيطر عليها محافظون جدد موالون لإسرائيل. في نوفمبر 2012، فيما ينشغل الأمريكيون بتقييم نتائج الانتخابات بالنسبة للحزبين، سيشعل الإسرائيليون واللوبي الصهيوني في أمريكا شموع النصر مهما كانت النتائج. هذه هي المأساة الكبيرة للسياسة الأمريكية حاليا!.