الأمر جلل.. والكارثة كبيرة.. ليس لخسارة مباراة أستراليا.. إنما لتراجع مستوى الكرة السعودية في قارة هي الأضعف كرويا بين قارات العالم قاطبة.. ثم لا نستطيع مجاراة كرتها الضعيفة أصلا رغم إن الحل موجود للنهوض بالكرة السعودية برمتها.. ولكن يتم تجاهله لأسباب غير واضحة.. رغم أنه حل حان وقته.. لإخراج الكرة السعودية من أزمتها إلى بر الأمان. الحل في - رأيي المتواضع - يكمن في النظرية الاقتصادية الكروية المعروفة التي يتفق عليها الجميع للارتقاء بكرة القدم حول العالم.. وهي: (إن الاحتراف السليم نتاج خصخصة صحيحة وليس العكس).. نعم الحل في خصخصة الأندية.. وغير ذلك من الحلول التي نسمعها ليل نهار لا تؤكل عيشا..و كلها مضيعة للوقت وعبث لن يفيد الكرة السعودية بشيء. ولأكون واضحا وبسيط.. سأضرب مثالا بقطاع الاتصالات.. ففي السابق.. عندما كنا نحتاج لخدمة بسيطة مثل الاستعلام عن رقم هاتف صديق أو دائرة رسمية ونحوهما.. نتواصل مع استعلامات الهاتف.. وهنا قد يرد الموظف وقد لا يرد.. وإذا تكرم بالرد فهو يتحدث بتأفف ظاهر و(يدحرج) لك الرقم دون وضوح لمخارج الحروف.. وويلا لك إذا لم تستوعب الرقم من أول مرة.. ومع ذلك يسجل عليك رسم مادي تجاه الاستعلام عن تلك الخدمة السيئة.. إنما بعد خصخصة الاتصالات تغيرت المفاهيم وأصبحنا نسمع جملة رائعة وهي (أنا فلان الفلاني السلام عليكم.. كيف أقدر أخدمك) ثم تحصل على الرقم بوضوح مرتين.. مع إمكانية إرسال الرقم إلى جوالك برسالة نصية إذا رغبت. هذا المثال البسيط والبدائي هو فقط لإيضاح الفارق بين إدارة كانت تعمل في القطاع العام وبين نفس الإدارة بعد الخصخصة. اللاعب المحلي الآن هو كموظف الاتصالات قبل الخصخصة.. بل أشد سوءا.. فهو في الغالب غير متعلم التعليم الكافي.. وبعضهم قادم من بيئة يغلب عليها الجهل وبعض السلوكيات التي يفرضها الفقر المدعق لتلك الأحياء العشوائية.. والأزقة الخلفية.. وفجأة يجد اللاعب نفسه من أصحاب عشرات الملايين دون وجه حق اللهم إلا أنه أفضل السيئين لا غير. هذا اللاعب عندما يجد الملايين تهبط عليه يصاب بحالة نرجسية تجاه نفسه.. وهو يعتقد أنه بلغ في احتراف كرة القدم مبلغه حتى أن بعضهم يتعالى على ناديه ويبدأ في المساومة.. وليتهم يفهمون أن الاحتراف هو رديف للإخلاص الشديد للنادي الذي يمثله وليس العكس.. ولهم في ميسي البرشلوني عبرة. أحد اللاعبين الأوربيين وهو أفضل لاعب إنجليزي في العقد الماضي - من 2000 إلى 2010 - اللاعب (ديفيد بيكهام )يصف الاحتراف بالمهمة الشاقة في الأندية الأوربية.. فيقول: (عند انتهاء أية مباراة أكون نجمها الأول.. يكون كل تفكيري منصب على التمرين الصباحي في اليوم التالي ونحن عائدون إلى مقر النادي في الحافلة.. لأتمكن من تطوير نفسي وأتناقش مع المدرب عن بعض سلبياتي في مباراة الأمس) ويضيف (إذا لم أؤدي التمرين بالشكل الأمثل فإن هذا يعطي الفرصة للاعب آخر يحل موقعي) ثم يقول: (إذا مرضت والدتي أو عاد والدي من السفر فلا أستطيع في العادة الاطمئنان عليهما إلا بالسؤال الهاتفي.. فلا يشغل تفكيري غير تركيزي في تطوير الذات في كرة القدم) انتهى. أيضا يختصر لي مسؤول في ناد سعودي كبير معاناته مع اللاعبين قائلا: (اللاعب المحلي لا يعرف من الاحتراف إلا ما له من حقوق بل ويطمع في الأكثر، ولكنه حتما لا يعرف ما عليه من واجبات).. وهنا تكمن مأساة كرة القدم السعودية في أشباه اللاعبين هؤلاء. الحل.. لا يوجد في غير الخصخصة ليجعل اللاعب يعرف واجباته ويعي الحفاظ على نفسه ويبدأ في تطوير الذات وإلا سيكون خارج محيط الاحتراف.. فخصخصة الأندية لتصبح شركات استثمارية هو الحل الاقتصادي والمعرفي والثقافي لكرة القدم. ودعوني أقرب بمثال آخر.. في إيطاليا تم خوصصة وخصخصة نادي (إيه سي ميلان) وأصبح شركة استثمارية وبذلك أصبح نجما لامعا في سماء الأندية الأوربية.. بينما بقي (إنتر ميلان) كناد تعيس في كرة القدم ليس أكثر.. إلا أن أنصاره رفضوا واقع ناديهم الهامشي وأجبروا مالكه على خصخصته فحدث فيه تحويل مأهول بعد الخصخصة.. إذن الأمر في غاية الوضوح. نحن هنا في المملكة يمكن لنا خصخصة الأندية الجماهيرية أولا وهي خمسة أندية الأهلي والهلال والاتحاد والنصر والاتفاق.. ومن يأنس في نفسه القدرة من الأندية الأخرى في الخصخصة فليتقدم مشكورا.. وسترون النتائج مبهرة وفعالة.. وسترون أندية غير تلك الأندية.. ولاعبين غير أولئك اللاعبين.. وإداريين غير أولئك الإداريين.. ومنتخب غير ذلك المنتخب.. ولجان غير تلك اللجان.. وسترتاح كثيرا الأندية من مشاكل كبيرة قائمة الآن.. وضيق المساحة لا يسمح بتعدادها.. والله ولي الصالحين. نبضة!! أحترم وأقدر عقلية ومواهب وخبرة الأمير نواف بن محمد وهو يعلم ذلك يقينا.. ولكنني أختلف معه في التوجه نحو إشراك المواليد في الدوري الكروي السعودي.. فأرى اقتصار إشراكهم على اتحاد ألعاب القوى.. والألعاب المختلفة.. ويكفينا المواليد الموجودين حاليا في منتخب كرة القدم!!