يبدو أن الثورة ضد ما هو قديم بدعوى التقدم والتطور لن تبقي لنا عبقاً من ماضينا الجميل الذي نستشف منه روح تاريخنا التليد، لا لأن الإنسان مجبول على حب الماضي فحسب بل لأن التاريخ جزء من تكويننا وثقافتنا التي لا نفتأ ننفك عنه حتى نعانقه مرة أخرى ولو كان ذلك التاريخ مختزلاً في أبسط الأشياء. هذا كله تداعيات أفكار بدأت تجول في رأسي وأنا أذرع أحد أحياء جنوب العاصمة الذي تم تغييره من قبل أمانة الرياض من حي خنشليلة إلى حي المنصورة دون أدنى اعتبار لتاريخ هذا الاسم الذي يمتد إلى قرابة خمسة قرون أو أكثر، حيث تحكي الروايات التاريخية المحلية أن الوجيه عبد المحسن بن سعيد الدرعي الحنفي له ابنة تدعى جليلة كانت قد أعدت وقفاً أو نزلاً للحجاج القادمين من المشرق ابتغاء مرضاة الله، وكان أهل المشرق يطلقون عليه خان جليلة (أي فندق جليلة) ومع مرور الزمن حرِّف الاسم إلى خان شليلة كعادة الأسماء القديمة. ولولا كتب التاريخ التي حفظت لنا قصة هذا الاسم لنسيناه فور تغييره بهذا المسمى الذي لا نعرف دلالته ومعناه وما يرمز إليه. فهل الأمانة ممثلة في مسؤوليها الكرام بفعلتهم تلك يسهمون في طمس التاريخ بحجة التجديد وتغيير الأسماء القبيحة مع أني لا أرى قبحاً في مسمى خنشليلة ولا تجديداً في اسم المنصورة. لذا أرى أنه من الواجب على الأمانة إعادة النظر في تسمية الشوارع والأحياء، والإبقاء على المسميات القديمة التي تحمل روح الماضي إلا ما كان منها منافياً للذوق العام. وعليها أن تعرف أن تغيير الأسماء التاريخية المتعلقة في أذهان الناس من صور الاعتداء على التاريخ والآثار ولا فرق بينه وبين هدم وإزالة أي معلم أثري بارز آخر.