هتف الزمان.. هتف المكان.. هتف الوجود بحضرة النجم الأثير.. - تنبثق من أعماق الذاكرة والوجدان أصداء حضور الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري في نسيج الثقافة والتراث، وامتزاجه بمعاناة الأدباء وهواجسهم منذ انطلاقة (مهرجان التراث والثقافة بالجنادرية) عام 1407ه إذ وثّق هذا الحضور وشائج القربى والعلاقة الثقافية في حياة المثقفين والأدباء، ومعاناتهم الذاتية مع الكلمة والتعبير الذي أشرع لهم المهرجان ميداناً للتنافس لم يقتصر على ميادين منافسة السباقات الطويلة. تعود بي الهواجس الوجدانية الممتزجة بالهواجس الثقافية والأدبية إلى ذلك اللقاء الأبوي الحميم قبل اثنين وعشرين عاماً عندما زرت الشيخ عبد العزيز التويجري في مكتبه بالحرس الوطني وحظيت بذلك الاستقبال الحافل لي ولكل من حضر إليه، وكأنّه يعرفه منذ زمنٍ بعيد، ما أروع الحفاوة إذا ارتبطت بوشيجة الهم الأدبي المشترك التي تجاوزت عبر (مهرجان التراث والثقافة) النطاق المحلّي إلى استقطاب نماذج من المفكرين والأدباء من دول مختلفة، كان الشيخ عبد العزيز التويجري يمنحها من وقته وعنايته مساحة أثيرة تحت مظلة الحرس الوطني الذي تزداد منابره وقنواته تألّقاً وحضوراً بفعاليات المهرجان الذي ينتظره عشّاقه كلّ عام، حتى أصبح أدباء الداخل يغبطون رفقة الإبداع الزائرين من خارج المملكة على ما يحظون به من حفاوة الاستقبال والضيافة والأضواء، وقد كان الشيخ عبد العزيز التويجري حفيّاً بحضور هذا المهرجان وفعالياته المؤثرة إعلاميّاً وتوعويّاً وثقافياً في نسيج المجتمع لما يحتضنه من صورٍ معبّرة عن آثار الماضي وثقافة الجيل الحاضر، ورؤى المستقبل إذا ما وفّقت الفعاليات المشتركة إلى استثمار هذه المظلة استثماراً إيجابيًّا واعياً، وذلك ما شهدناه بعد ربع قرن من تجدّد أعماله ونشاطاته مما يبرهن على توفّر الدراسات العلمية الموثقة للإفادة من كل موسم لتجاوز السلبيات في الموسم السابق مما يحرّض على استقطاب الأفكار والمقترحات والرؤى الطامحة إلى الارتقاء والتجديد والتكامل في المواسم القادمة بإذن الله. حضوره في ميدان الإبداع والتأليف: شخصية الشيخ عبد العزيز التويجري واهتماماته الفكرية والثقافية التي عرفها المثقفون والأدباء عبر منتديات (مهرجان التراث والثقافة بالجنادرية) رآها عشّاق الفكر والثقافة في أعماله التعبيرية المكثفة التي أصدرها على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وكان في مقدمتها كتابه التأمّلي الفلسفي المكتظ بالتساؤلات الذي صدر بعنوان (في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء) ويعدُّ رحلةً ممتعة في أثر المتنبي تحرّض القارئ إلى احتضانها والكشف عن تجلّياتها حتى النهاية حيث إن الرحلة مع الشاعر العملاق أبي الطيّب المتنبي في حياته الشعرية وفي جولاته الكثيفة تعدُّ من أمتع الرحلات وأروعها، لكنها مسكونة بالمخاطر والشقاء والأحداث الصاخبة وهي رحلات ملأى بالمواقف والذكريات والآلام والشجون والآمال. ولابُدَّ لمثل هذه الرحلة الطموح من استعدادات ضخمة بحجم ضخامتها وأبعادها.. وحينما يكون المرافق في الارتحال خُلْوّ البال من كل شيء يتعلق بذات الشخصية وطموحاتها من المعرفة الشمولية لشخصية «المتنبي» والإلمام بأبجديات المعاناة الشعرية وسبر أغوارها في البداية حينذاك تكون الدهشة أكبر والذكريات المنبثقة عنها أكثر طرافة وأعمق تأثيراً لأنها ستكون بمثابة التجارب المكتنزة بالمفاجئات ومعاصرة الأحداث والامتزاج بمعاناتها ذلك ما يتجلّى خلال رحلة الأستاذ- عبد العزيز التويجري (في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء) حيث تنطلق البداية في هذه المغامرة من العشق لهذه الشخصية الفذة والإعجاب والتتلمذ، ويخترق ذلك الإعجاب كل العقبات ليمتزج بشخصية المتنبي ويتفاعل معها ويرافق الكاتب «المتنبي» في رحلاته وفي طموحاته من خلال استبطان أخباره وأشعاره والتعمّق في تلك التوجهات ثم إعادة قراءة ذلك الكيان الإبداعي وتذوّقه قراءة تأملية مقارنة بانعكاساتها التأثيرية على معاناة «الكاتب» وتجاربه يحاول التويجري في كتابه هذا أن يكشف أشياء من أسرار تلك الشخصية العظيمة، ويستقطب ملامح تلك الأسرار من خلال التجارب والمعاناة.. والحوار المتتابع والمضاد أحياناً مع المتنبي الذي جاء في شكل «رسائل نثرية» بلغت خمسين رسالة يلي كل رسالة إيراد (قصيدة شعرية) من قصائد المتنبي تتناول الرسالة بعض قسماتها وكانت هذه الرسائل مخاض تجارب خمسين سنة امتزجت في أرجائها بساطة البداوة بروعة الحضارة وعنفوان الطموح واستشراف آفاق المستقبل. ولا ننسى في هذا المقام مقالة عرّاب ثقافة الصحراء الأستاذ عبد الله نور عن كتاب (في أثر المتنبي) بعد صدوره بشهور حيث أكد أن قراءة هذا الكتاب لابدّ أن يسبقها قراءة شخصية المتنبي وشعره ومعرفته حق المعرفة لينسجم القارئ مع طموحاته وتأملاته حين يقرأ مداخله الأستاذ عبد العزيز التويجري الذي نثر أشتاتاً من معاناته وآماله ورؤاه عبر رسائله الخمسين إلى المتنبي، لابدّ من معرفة شخصية المتنبي وعلاقته بثقافة الصحراء لنعرف شخصية أحد رجال الصحراء والثقافة الصحراوية متمثّلاً في شخصية عبد العزيز التويجري. ولم تقتصر رسائل التويجري على رحلته مع المتنبي وإنّما ارتحل في آفاق الإبداع وتجلياته مع نماذج أخرى من المعبّرين والمبدعين، ونشر منها تجربته على نمط رسائل إلى أولئك الذين عاش معهم وامتزج برؤاهم وتجليّاتهم، منها على سبيل المثال: 1 - في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء الصادر عام 1402ه. 2 - رسائل إلى ولدي: منازل الأحلام الجميلة، الصادر عام 1403ه. 3 - رسائل إلى ولدي: حتى لا يصيبنا الدوار الصادر عام 1403ه. 4 - أبا العلاء: ضجر الركب من عناء الطريق، الصادر عام 1410ه 1990م. ويظلُّ الشيخ عبد العزيز التويجري في ترحاله في الحياة متسائلاً أبداً، ولعلّ في متابعة رحلاته وحواراته نلحظ ذلك التساؤل الملازم لشخصيته الفذّة مما يذهل من يتعرف عليه ويلتقي به، ويثير الدهشة والإعجاب بهذه الشخصية المتميّزة المسكونة بالتأمّل والتجربة العميقين، وقد كان (المؤتمر الدولي للفكر والإبداع) المنعقد في القاهرة في 24شعبان عام 1413ه (15شباط فبراير عام 1993م) شاهداً على حضور الشيخ عبد العزيز التويجري، وتميّز شخصيته التساؤلية كما عبّر في كلمته الموجهة إلى فلاسفة ومفكري العالم التي ألقاها في المؤتمر، ويقول فيها: «يوم دعيت إلى حضور مؤتمركم الجليل تساءلت: كيف حصل هذا؟ وكيف شرّفني أمين هذا المؤتمر بهذه الدعوة؟ ألأنه يجهلني ويجهل أني رجل من الماضي، ثقافتي من ذلك الماضي البعيد المحدد بحدود الصحراء؟ أم إنه أراد أن يكرم إنساناً لم تيسر له الظروف أيامها مدرسة ولا معلماً غير الحياة ومشاهد هذا الكون؟ فما بين آفاق النفس وآفاق الكون سعاة بريد نشيطون معلمون للإنسان. ورجل مثلي عاش أكثر عمره في قلب الصحراء في عزلة عن هذا العالم المعاصر! أصحيح أن يجد له فرصة كهذه يتحدث فيها ويعبر عن أحاسيسه ومشاعره ورؤيته لهذا العالم المعاصر؟ لا أعرف، لا أدري كيف المدخل بي إلى عالم أراه اليوم يلتقي فلاسفته ومفكروه وعلماؤه وأدباؤه في هذه القاعة الجليلة في قاهرة المعز، قاهرة الشعب العظيم الذي بنى الحضارات وأسلمها للعالم في ارتفاعات وسمو ورشد بلغ العقل أبلغ الأسرار والأسماء». ولي حول الإنسان والكون والحياة بعض التساؤلات والإلحاح في استجلاء الكثير من الغموض: 1 - تحدثت الديانات الآتية من الله عن الإنسان وعن الكون وعن الحياة والموت في صور لا تزال حية تنبض بالقوة والقدرة على تنظيم الحوار بين الإنسان وأخيه الإنسان، بينه وبين ظواهر هذا الكون، بين الحقيقة والباطل، بين الخير والشر، بين الحياة والموت وما بعد الموت. ولا أدري أين هي من الإنسان المعاصر؟ هل هاجر عنها بعيداً؟ وهل من أمل في أن يعود إليها ويتأمل لعله يجد الأمان ويجد السلام ويجد إنسانيته فيها؟ فالإنسان أخو الإنسان معي الآن آيات قرآنية كريمة تؤكد ذلك: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} نداء لكل البشرية، لكل الناس، ليس للعرب وليس لقبيلة وليس لأمة دون أمة، نداء يؤكد أن البشرية من ذكر وأنثى صاروا إلى شعوب وقبائل على وجه الأرض مطلوب منهم أن يتعارفوا، والتعارف هو في مثل ما عليه مؤتمركم هذا. والتُّقى في الآية الكريمة أمر عظيم تلتقي عنده كل الفضائل وتلوذ بجناحه الرحمة والدعوة إلى البر بالأرحام. إذن يقرر القرآن الكريم أن البشر أهل رحم واحدة، جريمة إنسانية تقطيع أوصالها. 2 - الإنسان هو الظاهرة الوحيدة في هذا الكون التي تملأ الفراغ فيه، فقد مشى الإنسان سفراً وراء سفر على وجه هذه الأرض ملايين السنين أو بلايينها يجدد ويطور في تجاربه وفي فكره إلى أن نزل على سطح القمر اليوم يجري تجربة بكراً ما عرفتها الإنسانية، وسيسير سفراً وراء سفر من الأرض إلى الفضاء ولا يعرف غير الله متى تبرك به مطايا السفر وتقول له الرحلة: لا سفر بعد اليوم. نحن - المسلمين - في قرآننا الكريم الآتي من عند الله وحياً لنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. آيات كثيرة تلفت نظر الإنسان إلى الكون وتدعوه إلى السفر وإلى السياحة الفكرية والعقلية.(1) - وهنالك حوارات على شكل رسائل صدرت في كتب للشيخ عبد العزيز التويجري تعبر عن فلسفته في الحياة والتاريخ، والواقع، ورؤاه الفكرية والتأملية منها: 1 - ركب، أدلج في ليل طال صباحه. 2 - عند الصباح حمد القوم السُّرى. 3 - أجهدتني التساؤلات معك أيّها التاريخ. 4 - رسائل الشيخ الصادر عام 1417ه، 1997م. 5 - رسائل خفت عليها من الضياع، الصادر عام 1421ه- 2001م. 6 - الإنسان رسالة وقارئ، الصادر عام 2006م وهو الجزء الثاني من كتاب (رسائل خفت عليها من الضياع). 7 - رسائل، وما حكَتْه في بيتي، الصادر عام 2006م. اعتدنا من الأستاذ عبد العزيز التويجري في تأملاته ورحلاته أن يغرس التساؤلات وهو يمضي في ركب المفكرين والرحّالة والأدباء يحاورهم ويتساءل عن ما دار من أحداث وما يدور وما تنبثق من استنتاجات ورؤى وقناعات، ولكنه في كتابه (لسراة الليل.. هتف الصباح) الذي أعدّه (دراسة وثائقية) عن الملك المؤسس عبد العزيز - غفر الله له - يشير في (مدخل، وإلى أين) في مقدمة هذا الكتاب لمرحلة ما قبل الملك عبد العزيز ليمهد لرحلة العودة الرائدة للملك البطل، ويبيّن تعامله مع الأحداث في تناوله فيقول: لعلي فيما كتبته لم أتجاوز مجرى الأحداث والتصورات، فما قصدتُ إلا الاعتدال وتكريم ساقيتنا الواحدة من التلوث وقذف الأحجار الثقيلة فيها، لأنها ساقيتنا - نحن شعب المملكة العربية السعودية - التي ظمئنا طويلاً إلى مائها العذب، لذلك جاءت أوراقي لا تؤرخ لهزائم وانتصارات لمعركة هنا أو هناك، بل نرى أن من التقوا والملك عبد العزيز على الطريق الواحد هم منّا وإلينا، ولا نرى في تاريخنا الواحد منتصراً أو مهزوماً ولا غالباً أو مغلوباً، إنه مبدأ خلقي متسامح استخلصناه من السيرة العظيمة للملك عبد العزيز وحرصنا على اتّباعه. هذا هو عبد العزيز، سنقرؤه في فصول الكتاب، فآمُل أن يتسع صدر القارئ لجزء هام من تاريخ الآباء والأجداد، من الماضي، الذي قال عنه أحد الحكماء: من تجاهل الماضي واستهان به فكأنما سدد طلقة مميتة إلى حاضره ومستقبله!! ولا أظن أن ما ورد في الكتاب يؤذي أحداً أو يؤلمه، في عصر الجامعات والمدارس وتطور المفاهيم ونمو الوعي الاجتماعي في الفرد والجماعة. ولأنه تاريخنا، إذا لم نكتبه ونبصّر به جاء الأعداء فكتبوه وفق أهوائهم ومصالحهم وسوء قصدهم، فشوهوا الجميل والعظيم فيه، وزرعوا الفتن والشرور على أرضنا الطاهرة. رحم الله مؤسس دولتنا الحديثة. فقد أسلمها لأهله وشعبه آمنة مستقرة بعد أن بذر فيها أفضل البذور، وغرس على ترابها أفضل الأشجار، وسقاها بعرقه ودمه وكدحه، وذاد عنها الطير حتى نضجت الثمرة، بعد معاناة وجوع وظمأ وشح عليه وعلى رجاله بأبسط العيش. آمُلُ أنَّ ما سيلاحظه القارئ في هذا الكتاب من أحداث وتعقيدات وظروف مكانية وزمانية بحسه الوطني والديني، أن يشكر الله عليه ويدعو لعبد العزيز ورجاله الذين ضحَّوا بالغالي والنفيس في سبيل وحدة البلاد وعقيدتها السمحة.(2) - يتناول الأستاذ عبد العزيز التويجري في كتابه هذا (مئة وخمسين وثيقة) من وثائق الملك المؤسس عبد العزيز - غفر الله له - وقد ضمّ هذا الكتاب الضخم ثلاثة عشر فصلاً تناولت حياة الملك عبد العزيز منذ انطلاقته المباركة من فتح الرياض عام 1319ه التي لم ينس إرهاصاتها في العهود السعودية السابقة من عام 1175حتى بداية المرحلة الثالثة بقيادة الملك عبد العزيز عام 1319ه التي انطلقت من الرياض والدرعية عقد لها (الفصل الأول) الذي بسط فيه الحديث عن الخطوات الأولى التي خطتها الدرعية كما رغب الأستاذ المؤرخ عبد العزيز التويجري ليظلّ توثيقه متسلسلاً منسجماً مع أحداث التاريخ الذي يستعيده كلُّ من جاء بعده للعبرة والذكرى، فيقول في مقدمة هذا الفصل (قبل أن نخطو خطوةً واحدةً وراء الملك عبد العزيز - رحمه الله - خارج سور الكويت إلى شبه الجزيرة العربية لنحاول أن نبدأ الرحلة مع أول خطوة خطتْها الدرعية إلى الدنيا (عام 1175ه - 1737م) حاملة معها «لا إله إلا الله» في مهاجره بالكويت، ليزداد الوضوح وتزداد العبرة، ويتعمق الفكر في سنن الله مع السبب والنتيجة، في ثلاثة عهود سعودية. تخلل هذه العهود قيام وسقوط إلى أن رأيناها تتجدّد شابّة في دولتنا الحديثة. وهي اليوم مثار تساؤلات ودراسات)(3) ويستطرد الأستاذ عبد العزيز التويجري الأحداث مستشهداً بأقوال الروّاة والمؤرّخين كالجبرتي في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) وأمين الريحاني في كتابه (تاريخ نجد وملحقاته) والمؤرخ جون بوركهارت في كتابه (حول البدو والوهابية) الذي يقول في وقفة معبّرة بعد وصف أشتات من الأحداث في عهد الإمام سعود الأول (أشياء كثيرة عن دعوة الدرعية أتمنّى أن يقرأها كلُّ عربي ومسلم، وخصوصاً أبناء الجزيرة العربية ليروا أنفسهم في فضائل أسلافهم). ص: 224 من كتابه المشار إليه آنفاً. - وفي الفصل الثاني بعنوان (عبد العزيز عند أبيه) يتوقف المؤرخ المتأمل الشيخ عبد العزيز التويجري عند أمرٍ من الأمور التي يعدّها ركيزة من ركائز انطلاقته ودهائه هي الاستفادة من تجربة والده العزيز الإمام عبد الرحمن وخبرته وخبرة آبائه وأجداده لتكون الوقود في سبيل انطلاقته وعودته لاسترداد دولة الآباء والأجداد بعزيمة لا تقبل التردد والتراجع ليستفيد من تجربة جدّه الإمام تركي مؤسس الدولة السعودية الثانية - كما روى المؤرّخ الشيخ عبد العزيز التويجري عن هذا الموقف العبرة إذ يقول على لسان الملك المؤسس عبد العزيز يتحدّث إلى والده الإمام عبد الرحمن - غفر الله لهما-: (هل يمكن يا والدي أن أدخل على نفسك الاطمئنان والتفاؤل بتجربة جدّي الإمام تركي مؤسس الدولة الثانية، الذي فقد أهله وملك آبائه وأجداده في الدولة الأولى، وأسلمتْه أقداره إلى الصحراء خوفاً عليه من قتل الخصوم بعد أن فقد أهله وملكهم؟ ومن الصحراء والخيمة والجوع والظمأ والألم، ورعي الغنم - كما قيل - جاء الإمام تركي ومعه الأمل الكبير والثقة بالله، من قلب هذه المحن لا يملك غير سيفه الذي قال فيه: يوم كلٍّ من خويّه تبرّى حطّيت «الأجرب» لي خويّ مباري (4) نعم: هذه إذن وقفة تأمّل عند قصته (السيف الأجرب) تعبّر عن وقفة للذكرى والتعبير عن العزيمة والإقدام واتخاذ القرار الحازم. ومع كلّ صفحة من صفحات هذا الكتاب (لسراة الليل هتف الصّباح) مستمتعاً بالرحلة مع عبد العزيز التويجري الذي ارتحل مع المتنبي وأبي العلاء المعرّي ووقف في مواقع وأماكن مختلفة من هذه الجزيرة العربية تعرّف على أحداثها وجغرافيتها وتاريخها وكانت دليلاً للتعرّف على أحداث معاصرة عاصرها وعاصرها والده قبله وأولاده بعده وجيله والجيل المعاصر وكتب عنها وروى لتقرأه أجيال المستقبل للذكرى والعبرة، ولكن هذه الرحلة في رفقة الملك الرائد المؤسس (عبد العزيز بن عبد الرحمن) تختلف عن تلك الرحلات وتأخذ أبعاداً أكثر عمقاً ودلالة وحضوراً ورحابة لأنّها (دراسة وثائقية) يهتف خلالها، وأهتف معه منشدين: هتف الصباح.. هتف الوجود.. هتف الزمان .. هتف المكان بطلعة النجّم الجديد.. وتستمرُّ الرحلة في التأمّل والذكرى والعبر مسكونةً بالدهشة ومتعة المرافقة الأثيرة لهذا الراوي المؤرّخ المتأمل عندما يتناول في الفصل الثالث: (عند الصّباح حمد القوم السُّرى) وصف تلك الرحلة التاريخية التي انطلقت بقيادة الملك المؤسس عبد العزيز وبرفقته نخبة من رجاله من الكويت إلى الرياض عام 1319ه لاستعادة دولة آبائه وفتح الرياض، كم كان سيستغرق الوقت والجهد والمعاناة في متابعة هذه الرحلة؟ وكم سيستقطب من السطور والورق ذلك الوصف البديع الذي يتدفّق من وجدان الراوية المؤرّخ عبد العزيز التويجري عاشق الصحراء وهو يعبّر: (هكذا تتصوّر، والصحراء لا يخفف متاعبها ومعاناتها على سراة الليل فيها غير صوت الحادي، ورحلة كهذه لا تخلو أبداً من إنشاد شاعر،والصّباح الذي هتف لسراة الليل وحمدناه - نحن شعب المملكة - في الصباح والمساء لنستحضره دائماً قيادةً وشعباً، ولا نغيبه عن أذهاننا وعقولنا، فما هتف الصباح لذلك الركب الصغير إلاّ لطهارته ونقاء معدنه، وسموّ هدفه، لنبق على وحدة الركب فهي وحدتنا، وهي مصدر سعادتنا، ولنتحاش سلبيات العصر].(5) - ولا ينسى الراوية المؤرّخ في ختام فصله الثالث من هذه الرحلة الطويلة أن يسجّل أسماء الرفقه الستين وهم النخبة الذين اختارهم الملك المؤسس عبد العزيز في عودته المباركة التي تبقى في الذاكرة والوجدان مستعصية على النسيان، نذكرها في (اليوم الوطني) وفي كل مناسبة عيد أو مناسبة مجيدة.