تخطو هيئة مكافحة الفساد خطىً كبيرة في طريقها لمكافحة الفساد واجتثاثه. وأتمنى لها التقدّم في طريقها الذي بدأته. فبنفس النهج هذا، سنصل يوماً ما إلى أن تكون مشاريعنا ذات مردود كبير جداً على عمل الجهة صاحبة المشروع. وعلى المجتمع كمردود من استفادة الجهة من المشروع وتطور خدماتها له. ولكن، يجابه عمل الهيئة هذا عنصر أهم من كشف الفساد. هذا العنصر هو ثقافة المجتمع التي تراكمت مع السنين على مفهوم خاطئ. هذا المفهوم الذي أتاح للفساد أن ينتشر ويترعرع وحتى يصل بالبعض للتفاخر به. ثقافة المجتمع هي المفاهيم التي تحيط به وتصبح من البديهيات. ومن هذه الثقافة الخاطئة استباحة المال العام. وفي أدنى مراتب هذه الثقافة الخاطئة الاستهانة والاستهتار بالمال العام. أمثلة كثيرة نشاهدها في حياتنا اليومية لاستباحة المال العام. مثل التوقيع على مستهلكات ولم يتم صرفها. وتسجيل كميات أكثر من الاحتياج ثم التوقيع على توفرها. العجز الحاصل دوماً في المستودعات. الصيانة الدورية التي لا تتم إلا على الورق ويوقّعها فريق كامل من أكثر من إدارة في الجهة. كل هذه ما هي إلا نتاج لثقافة استباحة المال العام. وفئة كبيرة جداً من المجتمع تمارسها، كلاً في موقعه. أما الاستهانة فنراها في استهتار البعض في الحفاظ على المرافق العامة سواء بالإهمال أو التخريب أو الكتابة أو حتى الاستهزاء بالمرفق أو الجهة التي يتبع لها. لذا، من الأجدى البدء في تأسيس مركز لثقافة حفظ المال العام. وتكون مهمته وهدفه الرئيسي تصحيح مفاهيم المجتمع وإعادة المفاهيم الإسلامية الصحيحة للمجتمع. ولن يكون ذلك إلا عن طريق التعليم العام والخطاب الديني والخطاب الاجتماعي والثقافي والإعلامي. وتعريف الخطأ باستمرار وعلى كل المستويات حتى يصبح من يعمله واضحاً وضوح الشمس لبقية أفراد المجتمع. عندها سيصبح عمل هيئة مكافحة الفساد بارزاً جداً. وسنرى أن الفساد يقل. لأنه لن يجد أرضاً ترعاه وسيجد عيناً ضخمه ترقبه.