شهدت الأنظمة السعودية نقلة واضحة خلال العقد المنصرم وذلك بتطوير بعض الأنظمة وإصدار أنظمة أخرى لم تكن قد صدرت من قبل. وهذا بلا شك جاء حرصاً من ولاة الأمر وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- للسعي بالرفع من مستوى الأنظمة السعودية ومنها الأنظمة العدلية على وجه الخصوص وذلك تزامناً مع المعطى الزمني والتطور الحضاري والاقتصادي الذي تشهده هذه البلاد المباركة. ومن تلك الأنظمة نظام المحاماة السعودي الصادر بتاريخ 28-7-1422ه. وحيث إن ما يخص الوكيل الشرعي قد احتوته المادة الثامنة عشر من نظام المحاماة المذكور لذا فإنها سوف تكون مدار مجمل الحديث في هذا المبحث وعليه يتوجب ذكر نصها كما يلي: (للمحامين المقيدين في جدول الممارسين دون غيرهم حق الترافع عن الغير أمام المحاكم أو ديوان المظالم أو اللجان المشار إليها في المادة الأولى من هذا النظام، واستثناء من ذلك يقبل للترافع عن الغير من يأتي: أ- أي وكيل في أي قضية واحدة إلى ثلاث فإن باشر الوكيل ثلاث قضايا عن ثلاثة أشخاص متعددين لا تقبل وكالته من غيرهم. ب- الأزواج أو الأصهار أو الأشخاص من ذوي القربى حتى الدرجة الرابعة. ج- الممثل النظامي للشخص المعنوي. د- الوصي والقيم وناظر الوقف في قضايا الوصاية والقوامة ونظارة الوقف التي يقومون عليها. ه- مأمور بيت المال فيما هو من اختصاصه حسب النظام والتعليمات). انتهى(1) ولمزيد الفائدة نوضح هنا الدرجات الأربع من ذوي القربى المشار إليهم في الفقرة (أ) أعلاه وذلك حسب التفصيل الوارد في الفقرة (8-1) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية كما يلي: - الدرجة الأولى: الآباء، والأمهات، والأجداد، والجدات، وإن علوا. - الدرجة الثانية: الأولاد، وأولادهم وإن نزلوا. - الدرجة الثالثة: الإخواة والأخوات الأشقاء، أو لأب، أو لأم، وأولادهم. - الدرجة الرابعة: الأعمام، والعمات، وأولادهم، والأخوال، والخالات، وأولادهم. انتهى وقد ورد في اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة المذكور تفسيراً وإيضاحاً للمادة (18) المذكورة جاء ذلك في (12) فقرة وسنأتي على ما نحتاج إيراده من تلك الفقرات للإيضاح في موضعه، إلا أننا نلفت النظر -ابتداء- إلى شمول هذه المادة للوكيل وما في عموم حكمه كالوصي أو الولي وغيرهم، مع مراعاة ما بين هذه المصطلحات من الفروق الإجرائية والشرعية المعتبرة. والوكالة -بفتح الواو وكسرها-: التفويض، واصطلاحاً: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة وهي جائزة بالكتاب والسنة والإجماع. (2) ولا يفوتنا في هذا الاستهلال الإشادة بنظام المحاماة السعودي المذكور لتميزه عن عدد من أنظمة المحاماة في الدول الأخرى ومن ذلك إفساح المجال الوكيل الشرعي القائم على مبدأ الوكالة الشرعية وأحكامها ضمن مواد النظام ولائحته التنفيذية، لكون هذه البلاد -حفظها الله- قد اتخذت الإسلام ديناً وتشريعاً ومنهج حياة. ومن نص المادة الثامنة عشر المذكورة نرى وجود مصطلحين متوازيين مهنياً في غالب مسارهما وهما، مصطلح: الوكيل ذو المنشأ الشرعي المستند أداؤه على مبدأ الوكالة الشرعية وأحكامها، ومصطلح: المحامي ذو المنشأ القانوني . ويعلم كل دارس لتاريخ القضاء الإسلامي الفارق الزمني الواسع بين بداية ظهور كلا من المصطلحين المذكورين حيث نشأ المصطلح الأول منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وورد ما دل عليه في الكتاب والسنة قال تعالى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} (60 سورة التوبة) وهم الموكلون عل جباية الزكاة، وقال تعالى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} (19 سورة الكهف). وقال تعالى على لسان نبيه موسى عليه السلام: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} (34 سورة القصص). ووكل النبي صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد في شراء الشاة (3)، وأبا رافع في تزوجه ميمونه(4)، وكذلك توكيل علي رضي الله عنه لعقيل عند أبي بكر رضي الله عنه حيث قال له: ما قضى له فلي وما قضى عليه فعلي(5). وكذلك وقوف ابن عباس مع حسان بعد حكم عثمان عليه(6) وغير ذلك من الأدلة. أما المصطلح الثاني ذو المنشأ القانوني فقد دخل إلى العالم العربي عن طريق الغرب الأوروبي في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري القرن التاسع عشر الميلادي على وجه التقريب(7). وفي المملكة لم تنشأ المحاماة كنظام ومهنة بصورتها التنظيمية الحالية -كما هو معلوم- إلا بعد صدور نظامها في التاريخ المذكور الذي ألغى بعد صدوره ما سبقه من إجراءات. وإذا استثنينا الفارق الزمني بين نشأة (الوكيل - والمحامي) وكذلك الفارق التنظيمي فإننا لا نجد سوى فوارق يسيرة بينهما، خاصة وأن نظام المحاماة قد أخضعه المشرع لأحكام الشرع ومن ذلك تضمينه لحق الوكيل الشرعي في الترافع نيابة عن الغير وإن كان قد حصره من الناحية التنظيمية في ثلاث قضايا فقط حسب نص الفقرة (أ) من المادة الثامنة عشر المذكورة والفقرة (18-2) من لائحته التنفيذية. وقد ذكر الدكتور الفوزان -وفقه الله- ضمن تعليقاته على النظام عبارة بليغة توضح مدى التقارب بين الوكالة والمحاماة مفادها أن الوكالة قد ارتدت ثوباً جديداً في مشروعية مهنة المحاماة(8). وإن كنا لا نرى ولا نذهب معه في إيصاله بحذف الفقرة (أ) المذكورة، لكون الوكلاء الذين تمثلهم هذه الفقرة هم قطاع كبير من العاملين في هذا المجال وعملهم هذا هو مصدر دخل لهم ولأسرهم لا يمكن تجاهله، ثم رغبة في إيجاد صيغة ورؤية نظامية بديلة تستوعب هؤلاء الوكلاء ضمن نظام المحاماة وهو ما رأينا التقدم به في هذه السطور. إن الفقرة (18-أ) من الجهة التنظيمية قد أعطت مكاتب الوكلاء ومحصلي الديون مسوغاً نظامياً إضافياً للترافع عن الغير وبالتالي منافسة مكاتب المحاماة في أدائها مما أدى إلى نشوء الازدواجية بين الطرفين وإن كان كل منهما يرى أحقيته بموجب وضعه النظامي، ثم نجد أيضاً أن من ضمن ما ورد في الفقرة (18-10) من اللائحة أنه لا يحق لمن له حتى الترافع عن الغير استثناء (... اتخاذ مقرات لمزاولة ذلك) وفي هذا النص تعارض مع التنظيم القائم لمكاتب الوكلاء الشرعيون المذكورون المصرح لهم نظاماً بتحصيل الديون نيابة عن الغير قبل صدور النظام، وعليه سيكون هذا الأمر مدار حديثنا ومرتكزه الأساسي ثم طرح بعض المقترحات التنظيمية لمعالجة ذلك. علماً بأننا سوف نستثني من الحديث الفقرات (ب - ج - د - ه) من المادة الثامنة عشر المذكورة وما ورد حولها من تفصيل في اللائحة التنفيذية، كما أن حديثنا حول الفقرة (أ) سيكون من الجانب التنظيمي لا الجانب الشرعي فيما يخص مكاتب الوكلاء وتحصيل الديون ومكاتب المحاماة فقط. والآن يمكن تقديم المشروع المقترح التالي لمعالجة الازدواجية التنظيمية المذكورة بين مكاتب تحصيل الديون ومكاتب المحاماة كما يلي: أولاً: إيقاف منح التصاريح الجديدة الخاصة بتحصيل الديون نيابة عن الغير. ثانياً: القيام بتصنيف مكاتب الوكلاء الشرعيين ومحصلي الديون القائمة حالياً تصنيفاً جديدا بحسب ما يراه المشرّع واعتبارهم ملحقين بنظام المحاماة ولهم كامل المميزات في مجال اختصاصهم لا بصفتهم وكلاء شرعيين حسب الفقرة (أ) المذكورة والتي بموجبها ليس لهم حق سوى الترافع في ثلاث قضايا فقط. ثالثاً: يتم وضع مبدأ الاختيار أمام أصحاب المكاتب القائمة للوكلاء الشرعيين ومحصلي الديون ليتسنى لهم أحد أمرين: إما الاكتفاء بمهنة الخدمات العامة القائمة على التعقيب في مكاتبهم فقط أو الانضمام إلى التنظيم والتصنيف الجديد المشار إليه في الفقرة ثانياً أعلاه وترك مهنة التعقيب نظراً لدخولهم ضمن الملحقين بمهنة ونظام المحاماة تنظيماً ومرجعاً إدارياً. رابعاً: إلغاء الجزئية التي أوردنا نصها بين معقوفين أعلاه من الفقرة (18-10) أو معالجتها بما يتناسب والتصنيف المذكور. خامساً: اشترط النظام الخبرة العملية لممارسة السعودي مهنة المحاماة وتقييد اسمه في سجل المحامين الممارسين حسب ما ورد في الفقرة (ج) من مادته الثالثة وتفسيرها في (3-5) التي احتوت على (10) أعمال واكتفى النظام بقبول واحدة من تلك الآمال العشرة لتكون خبرة كافية لممارسة مهنة المحاماة ومن تلك الأعمال ما ورد في الفقرة (3-5-و) وهذا نصها (الترافع عن الغير أمام الجهات) علماً بأن النظام أخضع هذه الفقرة لتقدير لجنة القيد والقبول. وبناء عليه نقول: إن الخبرة التي اشترطها النظام في الفقرة المذكورة ينطبق تماماً على الخبرة التي يمتلكها الوكلاء الشرعيون ومحصلو الديون نيابة عن الغير من خلال العمل في مكاتبهم القائمة خاصة التي مضى على قيامها ثلاث سنوات فأكثر واكتسبوا تلك الخبرة من خلال الترافع ومتابعة القضايا المالية وغيرها ومنهم من مضى له في هذا العمل عدة سنوات ولديه علم بالأنظمة السعودية ومتابعة ما يستجد بشأنها ودراية عملية بإجراءات التقاضي والترافع نيابة عن الغير وبهذا يكون الوكلاء أصحاب مكاتب تحصيل الديون يقومون -في واقع الحال- بعمل مكاتب المحاماة فيما يخص الترافع عن الغير في قضايا الديون والقضايا المالية مع اختلاف المسمى والتصنيف المهني والتنظيمي فقط. سادساً: يمكن للمشرّع -إذا أراد- مطالبة أولئك الوكلاء ومحصلي الديون أصحاب المكاتب القائمة المذكورين بالحصول على شهادة دورة تدريبية قانونية تأهيلية لا تقل عن سنة ليتسنى تصنيفهم كملحقين بنظام المحاماة، أو الحصول على الدبلوم في الدراسات القانونية ومدته سنتان والذي تشرف عليه وتمنح شهادته -حسب علمنا- كلية علوم المجتمع بجامعة الملك سعود أو غيرها من كليات المجتمع الأخرى داخل المملكة، أو أي دورة علمية يسنها المشرع لهذه الفئة ويشترطها وفق المعيار والاختبار الذي يراه، وبهذا يتم تسوية وإيجاد الحل المناسب فيما يخص المؤهل العلمي من أجل إلحاق هذه الفئة بنظام المحاماة مهنة وتنظيماً. سابعاً: وضع مسمى جديد لأولئك الوكلاء ومحصلي الديون المذكورين الملحقين بنظام المحاماة عند تصنيفهم ضمن مظلته وذلك بأن يطلق عليهم مسمى المحامين الماليين أو محامين قضايا مالية وبشروط وتنظيم نقترحه أيضاً كالتالي: 1 - بعد إلغاء مسمى مكاتب تحصيل الديون يمكن أن يكون المصطلح الجديد للواحد منها (مكتب محامي قضايا مالية) أو (مكتب المحامي المالي) وللمشروع اختيار أي مصطلح آخر يراه مناسباً لذلك التصنيف الجديد. ولكن سوف نلتزم -هنا- بمصطلح (المحامي المالي) الذي اقترحناه للتوضيح أدناه فقط. 2 - يكون اختصاص مكتب المحامي المالي الترافع فيما يخص القضايا المالية فقط ولا يسمح له الترافع عن الغير في القضايا الخارجة عن دائرة اختصاصه. 3 - عدم السماح لمكتب المحامي المالي بالترافع أمام المحاكم أو الجهات القضائية نيابة عن الغير في قضية ذات طرف أجنبي غير سعودي سواء كان ذلك شركات أو مؤسسات أو أفراد أو أي صفة أخرى باستثناء قضايا الأفراد المقيمين بصفة شرعية داخل المملكة على أن يكون موضوع ومحل النزاع في تلك القضايا داخل المملكة أيضاً. 4 - من المعلوم أن هناك بعض القضايا المزدوجة بحيث يكون فيها جانب مالي وآخر جنائي أو إداري أو كل ذلك مجتمعاً وعليه يمكن للمشرع ثلاثة أمور: إما أن يمنع المحامي المالي المذكور من مباشرة القضايا المزدوجة أو أن يسمح له بمباشرة القضايا الصغيرة منها بعد وضع آلية لذلك، أو أن يحدد للمحامي المالي مباشرة تلك القضايا، مع اشتراط حداً معيناً للمبلغ المتنازع عليه في القضية بحيث لا يحق له مباشرة الترافع فيها إذا زاد عن الحد المنصوص عليه نظاماً. 5 - يمنح للمحامي المالي الممارس من خلال مكتبه القائم بطاقة تعريفية خاصة به توضح اختصاصه كمحامي مالي فقط ويطلب من المحامي المالي إبراز هذه البطاقة في مجلس التقاضي كإجراء تنظيمي يمنع بموجبه من الترافع في القضايا الأخرى. 6 - الحظر على المحامي المالي -لكونه من الملحقين بنظام المحاماة- المشاركة في أي عضوية دولية للمحامين خارج المملكة كاتحاد المحامين العرب أو غيره. انتهى وبهذا المشروع المقترح أعلاه أصبحت مكاتب الوكلاء ومحصلي الديون نيابة عن الغير قد دخلت بالمسمى والتصنيف الجديد ضمن الملحقين بنظام المحاماة تنظيماً ومرجعاً إدارياً. وتلاشت تلك الازدواجية القائمة بين الفئتين. ولهذا فإن الأخذ به سوف يكون -فيما نرى- من الإضافة المهمة للنظام المذكور، وميزة يتفرد بها عن بقية الأنظمة الأخرى، خاصة وأن مهنة المحاماة في المملكة لا زالت في بداياتها وبالتالي يمكن معالجة وموائمة كل ما يتعلق بها وبنظامها. راجين أن يكون فيما تقدمنا به أعلاه عاملاً معيناً للمشرّع -وفقه الله- الذي نعلم يقيناً حرصه على التطوير نحو الأفضل والأكمل، وأن يكون أيضاً مساهمة متواضعة في خدمة هذا الوطن الكريم الذي له علينا كمال الحق وأصيل الواجب، علماً بأننا قد عمدنا إلى تحريره بلغة سهلة الفهم والوصول، مع أن الأخذ به قد يحتاج إلى شيء من التعديل أو الإضافة والتفسير والإيضاح بما يراه المشرع ومن ثم تكييفه باللغة القانونية والشرعية المعتبرة في صياغة اللوائح والأنظمة. والله ولي التوفيق. *** الهوامش: (1) نظام المحاماة السعودي ولائحته التنفيذية. (2) فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان «الملخص الفقهي» رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء - الرياض/ ج2 ص84 ط1 - 1423ه. (3) المصدر السابق ص 84 - أخرجه البخاري عن شبيب بن غرقد. (4) المصدر السابق ص 84 - أخرجه الترمذي. (5) المقحم. أحمد، المحاماة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية/ 1420ه ص 31. (6) الفوزان. محمد بن براك / التعليق على نظام المحاماة السعودي / ط2 ص34. (7) المصدر السابق الدكتور الفوزان ص34. (8) المقحم/ مصدر سابق/ مع اختزال وتصرف.