عدة أحداث وتطورات سيطرت على الساحة الإعلامية خلال الأيام القليلة الماضية. ربما أهمها محلياً إعلان انطلاق مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث في موسمه السابع والعشرين. وسيستمر كعادته حوالي أسبوعين واعدة بزخم من الفعاليات التي ينتظرها آلاف الزوار والمشاركين كل عام؛ وفي الجوار القريب إعلان المنامة عاصمة الثقافة العربية لعام 2012 مبتدئة باحتفال صنفه من حضروه مهيباً.. أدام الله احتفاءات العرب بالثقافة لعلها تبعدهم عن سرطان السياسة والتسييس والأدلجة التي ستقضي على الأخضر واليابس وتصبغ تاريخها القادم بالأحمر الدموي. حيث في الجوار الأعم عربياً أهم التطورات خارج الحدود دخول ما وسم ب»الربيع العربي» عامه الثاني دون أن تتوقف هتافات الشوارع ودموية الاصطدامات بين المدافعين والمعارضين والمؤلبين والمؤججين. المريع أن الموت لا يميز بين الحاضرين فنرى قوائم ضحاياه تتسع ملتهماً الأبرياء والصغار والنساء والكهول على السواء. لا يغيب عن أي مراقب محايد كيف أصبحت نشرات الأخبار الفضائية وتغريدات تويتر الفورية تغطيات متواصلة مؤلمة بتفاصيل ما يحدث مرئية ومسموعة ومسجلة من موقع الأحداث. وهناك المخجل المضحك المبكي من التسجيلات للأحداث مثل ما دار في انعقاد أول برلمان مصري بعد سقوط النظام السابق من مزايدة ومهاترات! أما ما يحدث ليؤجج ويؤخر صفاء الرؤية والنية والطوية في مصر والبحرين وسوريا فليس مضحكاً بل موجعاً للوجدان.. أتمنى أن نراه ينتهي باتفاق على الخير والبر والتقوى والعودة إلى صفاء الأخوة ورقي ثقافة ممارسة الوعي والتعايش كما عهدناها.. ويقول لي مراقبون مهتمون: آمين! ويقول آخرون: أنت تحلمين! يقول غيرهم طالما يتحكم «الفيتو» في مجريات مصائر الشعوب لا تترقبي خيراً. وأقول بل أنا واثقة بحكمة رب العالمين في كل ما يحدث! وسيأتي موسم الاحتفاء بالسلام بلا شك. لا مجتمع يتبنى ثقافة الانقسام والإقصاء - ولو بتشجيع وفعل فاعل مسرطِن خارجي أو داخلي- يستمر إلى الغد. طبيعة النفس البشرية أن تتوق للسلام والوئام والبناء والانتماء. ولذلك سنحتفي بثقافة بناء الوعي الآن وفي القادم إن شاء الله. سعدت شخصياً بالدعم المعنوي المساند لمعاناة أشقائنا في سوريا بقرار تأجيل الأوبريت إلى الموسم القادم للجنادرية. هذه الاحتشادية الفنية المتميزة اعتدنا انتظارها ومتابعتها كل عام ويعز علينا أن نفتقدها هذا العام ولكن ما يعز علينا أكثر أن نحتفي ونطرب متناسين أن شوارع المدن العربية الأصيلة تسيل بدماء أشقائنا. ولعلنا نحتفي بعد عام ليس فقط بالأوبريت بل بالسلام والاستقرار يعم عالمنا العربي من محيطه إلى خليجه. وأشيد هنا بالتنامي والنضج في ما تقدمه برامج الجنادرية كل عام وبالتنسيق ومواكبة التطور في البلاد. وربما افتقدنا الأوبريت التي يستمتع بها الحاضرون فعلياً عن قرب, والمشاهدون عبر الشاشات عن بعد؛ ولكن ما يهمني أكثر هو محتوى النشاطات المرافقة المعنية بالثقافة والتراث, وجلسات الحوار التي يتناول فيها النخبة القضايا الثقافية المتأصلة والأخرى التي تستجد. لعل أهم ما يميز برنامج الجنادرية عمق الرؤية التي أنجبته, مرتكزها أن الثقافة هي نتاج ممارسة عامة بدءاً برؤية وقرارات رأس الهرم الإداري ومروراً بالأجهزة التنفيذية وانتهاء بتجاوب الملايين بتبني الرؤى والممارسات؛ وليست انشغالاً تنظيرياً هامشياً يقتصر على النخبة سواء صنفوا أنفسهم حداثيين أو تقليديين. ولذلك أذكر بأن جنادرية المملكة العربية السعودية التي وضعت اسمها على قائمة ممارسة الثقافة مؤسسة قامت لحماية الأمن!. «الحرس الوطني» مؤسسة ولدت وترعرعت في كنف ورعاية خادم الحرمين الشريفين كتنفيذ لرؤيته في ما تعنيه ثقافة المجتمع من ربط الأصالة بالمعاصرة فلا ننسى الجذور ولكنها لا تترك لتصبح أحبولات سرطانية تمنع التطور ومواكبة الأمم الأخرى.. لنبقى في الصدارة. تهانيّ لخادم الحرمين الشريفين ولسمو الأمير متعب بن عبد الله و فريقه المساند؛ وتمنياتي بموسم ثقافة مزدهر وعميق الرؤية والجذور وحيوي الإثمار. كم نحن بحاجة لدعم الوعي العام بمعنى الثقافة والرؤية الشاملة وتجذير ممارسة الانتماء للمستقبل.