كتبت - ليلى سعد عباس الحربي - المدينةالمنورة: أشهر مضت، وفي كل يوم أزداد يقيناً بأن نسيانك بات معجزة؛ فذكرياتي معك يستحيل الهروب منها، بل لا يمكن حتى تناسيها ولو لوهلة؛ إنها روح الحياة ومعناها. لو كانت ذكرياتي معك في أغنية مبكية لأم كلثوم أو فيروز لحطمت كل أشرطة الغناء بلا استثناء.. ولكني اتفقت معك منذ أمد بعيد أن الغناء لهو وغثاء؛ فهجرناه إلى غير رجعة، لو كانت ذكرياتي معك في زاوية رومانسية في مطعم عريق لهجرت كل الطرق المؤدية إليه، وما عدت إليها حتى تفارق الروح الجسد. لو كانت في شاطئ تهادت موجاته أمامي وأمامك مع بزوغ فجر أو هبات باردة لهجرت شواطئ الكون ومحوتها من عالمي كله بل لو كانت في هداياك المترفة وتلك العطور باهظة الثمن لأحرقت الهدايا وحطمت القوارير، واكتفيت بأطيب الطيب وإلى الأبد، ولكن ذكرياتي معك ليست ككل الذكريات، إنها أجمل وأروع، إنها أنقى وأرقى؛ فكلما ردَّد المنادي «الله أكبر الله أكبر» لمحتك هناك يقطر الماء من لحيتك كحبات الجمان تجفف ذراعيك بتلك المنشفة البيضاء الصغيرة لتدرك الصف الأول. وكلما قصدت تلك الزاوية خافتة الضوء أرتل في مصحفي سمعت صوتك شجياً يرتل في سورة ثانية، وكلما قرأت سورة الكهف في كل جمعة تذكرت كيف كنت تسابقني وأسابقك فتارة تكون عند أصحاب السفينة وأنا أكون عند الخضر، وتارة أكون عند الجدار الذي يريد أن ينقض وتكون قد أغلقت المصحف. وكلما طرقت الباب لأوقظ أولادي للصلاة رأيت يدك تطرق الباب قبلي، تارة تردد (قوموا يا عيالي قام حظكم) وتارة تردد (أين الخيزرانة). وكلما يممت شطر المسجد الحرام أو حتى رأيته في بث مباشر على الفضائيات شعرت بيدي تمسك بطرف إحرامك، ورأيتك تلتفت لي باسماً وتقول ادعي لي فأقول جل الدعاء لك, فادع لي.. هذه ذكرياتي معك، فهل لنسيانك من سبيل؟! ذكريات لي معه فيها معاني لا هي فعطر ولا هي فالأغاني ذكريات ما تغيِّبها الليالي ولا تمحِّيها تصاريف الزماني كلما نادى المنادي شفت طيفه لحيته تقطر مثل حَبّ الجماني وكلما وجَّهت للكعبة لمحته ساجداً قدَّامه الركن اليماني وكلما رتلت بالمصحف سمعته جنبي يرتلهن السبع المثاني ولا قرأت الكهف بالجمعة نظرته صورته جنبي وصوته بالمحاني يا كثر ما سامح المخطئ وردد ما نجازي بالخطأ والكون فاني ويا كثر ما صغَّر الدنيا بعيني ويا كثر ما وجَّه لخير ودعاني ويا كثر ما واصل بليا مواعد ما يقول فلان جا ولاَّ جفاني ويا كثر ما غيَّر المنكر بيَده وإن عجز بالقلب وإلاَّ باللساني ما اذكر انه ضاق صدري في وجوده لا شكوته لا ولا مرة شكاني مرت أيامي معه مثل الدقائق لا حاشا بالله بل مثل الثواني يا إله الكون يا رب البرايا تصطفي له منزلاً بأعلى الجناني وافرغ الصبر بفؤادي يا إلهي يا من اليا قلت كن للشي كاني