عجباً لهذا الطائر الجميل الوديع كيف يلهب مشاعر الإنسان ويوقظ بصوته كل هذا الشجن والشعر الباكي في قلوب الشعراء، أي شجو يلقيه في الأسماع فيقلب فرح الشاعر إلى بكاء وعويل ودموع، ولماذا يفسر هديله على مر التاريخ على أنه بكاء وأنه يبكي فقد ألفه كما تقول أسطورة قديمة، وقيس بن ذريح قد آلمه رحيل الظاعنين ولكنه كان يتظاهر بالتماسك والتجلد لولا تلك الحمائم التي تناوحت فكسرت بوابة الصبر وجابها شعرا باكيا حين قال: فَلَوْ لمْ يَهِجْني الظاعنونَ لَهاجَني حمائمُ وُرقٌ في الدّيارِ وُقوعُ تَجاوَبْنَ فاستبكَيْنَ مَنْ كانَ ذا هَوىً نوائحُ ما تجْري لَهُنّ دُموعُ! وليس ببعيد من ابن ذريح حال عبد الله بن ربيعة الذي يدرك أن الحمام لا ينوح وإنما يغني ومع ذلك كان له هذا الدفع للشاعر على البكاء: حمام ياللي على مرقاب ذا النوح ياشين وش بابه يالورق ليتك تسد الباب ليتك ترى ويش حنّابه ذاك الطرب يا قميري غاب صرف النيا دار دولابه تدر يا ورق راسي شاب كله من الغي وأسبابه أما هنا فحال أخرى من حالات التأثر بصوت الحمام المتهم من منصور الرمالي لم يكن قبل الحمام ذا بكاء: حمام ياللي بيح السد نوحه علمتني حسبي عليك الله النوح أنوح من قلب(ن) لحونه جروحه القلب جرح وجسم راعيه مجروح وإلى أن يثبت أن الحمام بريء من دموع الشعراء سيظل الشعراء ممن هم على شاكلة سليمان الهويدي مرهونة حالات المهم بصوت لا يعلم انه السبب في كل هذه الدموع التي تملأ صفحات الشعر: لاجزى الله حمامه فوق الابراج ناحت اشغلتني ولا ادري وش بلاها تنوحي سامره ليلها في برجها مااستراحت لوهي تندب لها حيٍ لزومٍ بيوحي ذكرتني ليال باول العمر راحت قبل تظهر مغاتيرٍ بوجهي تلوحي آه يافرصتي ضيعتها يوم تاحت احسبن الليالي الممتعه ماتروحي ولوم الحمام من الإنسان نهج اتخذه منذ أن سمع أول شاعر صوت حمامة وغازي بن عون لا يلومها على طربها وانما حال ابياته تغبطها على الحالة التي تمر بها من طرب: واهنيك في حياتك بالهنا يالورقا واهنيك تلعبين السامري مسرورة واهنيك ماانكوى قلبك بنار الفرقا ولاحنى الهجران حالك حنية الباكورة ولا غرق جيبك وكمك من هميل الزرقا ولا انتبهتي هود ليل من الكرى مذعورة ولا سرابك هاجس الخلان غرب وشرقا من هزيع الليل لين الصبح يبدي نوره مثل من دنياه بالحيله درقته درقا من كثر غاراتها ضده تهشم زوره أما أبو محمد الشاعر الكبير أحمد الناصر الشايع فقد تناول نوح أو بكاء الحمام من جانب قدرة الحمام على الحركة والطيران والتنقل والمتابعة والاطلاع على أحوال من يسكن في مهجة الشاعر وحرمانه من ذلك حين قال: الله اكبر ياحمام صلاة العصر ناح وانشغل قلبي معاه لاجزاه الله بخير الله اكبر يوم نضنض ورفرف بالجناح ودي اتبع ساقة الراعبي وازريت اطير ودي اتبع ساقته بالمقيل وبالمراح شوف عيني بين هاك المباني يستدير واهنيك بالمسا ياحمام وبالصباح كل يوم تشاهد الترف ملهوف الضمير ياحمام الورق قل للغضي سيد الملاح عن ذهابي قل لزين الوصايف يستخير وفي الختام هذه حال شاعر تناول الحمام وصوته على انه بكاء كما يتناوله غيره إلى أن ما حركه كان مختلفا عن غيره من الشعراء: إن الحمام ينوح من ألم النوى وأنا أنوح مخافة الرحمن ولان إن بكيت فلن ألام على البكا فلطالما استغرقت في العصيان يا رب عبدك من عذابك مشفق بك مستجير من لظى النيران فارحم تضرعه إليك وحزنه وامنن عليه اليوم بالغفران يا من إذا وقف المسيء ببابه ستر القبيح وجاد بالإحسان وأنا المسيء وقد رجوتك سيدي تعفو وتصفح للعُبيد الجاني