في حضرة الموت تخرس الكلمات، وتتثاقل الحروف، وتعجز اللغة عن تصوير مشاعر الأسى والحزن على فراق من نحب. في شهر ذي الحجة من عام 1432ه فقد آل عتيق ابن العم عبدالله بن عتيق السهلي والشباب سعود بن علي السهلي ومناحي بن علي السهلي وسعود بن مناحي السهلي. لقد حصدهم الموت جميعاً في فترة لم تتجاوز عشرة أيام، ومضوا كل في أثر الآخر، ويبدو أن الحزن هو الحاضر الأكبر في حياة آل عتيق في هذا الشهر، نسأل الله أن يرحمهم، وأن يلهم أهلهم الصبر والسلوان. {إنا لله وإنا إليه راجعون}. فقد آل عتيق ابن العم عبدالله عتيق السهلي، ذلك الشاب الذي ينضح امتلاءاً بالود والألفة والعاطفة الصادقة، صاحب الوجه الوضاء ومحياه الباسم، صاحب المجلس المليء بالضيوف، صاحب القلب الطيب الذي ملئ بالهمّ ما الله به عليم؛ حيث كان من حرصه على القريب والبعيد أن زاد مرضاً إلى مرض جسده. كان رحمه الله محباً للآخرين عفيفاً نقياً ذا عاطفة إنسانية جياشة. رحمك الله يا أبا عتيق، وأسكنك فسيح جناته، وأصلح أبناءك، وجعلهم من خيرة الشباب ومن المخلدين لسيرتك العطرة. وما إن نلبث بالدعوات لك يا أبا عتيق بالرحمة والمغفرة، وأن يرزق أهلك وإخوتك الصبر والسلوان، حتى نفجع بعدها ببضعة أيام بوفاة براعم الشباب وأمل المستقبل الشاب سعود بن علي السهلي ومناحي بن علي السهلي وسعود بن مناحي السهلي في حادث أليم مفجع في نهار لم أتوقع يوماً ألا أعرف ماذا نفعل ولا كيف نفعل. أي شهر هذا؟.. أي موقف هذا؟.. الكل في حالة ذهول من هول الموقف وبشاعة المنظر. الكل في حالة صمت وسكون؛ ما الذي حدث لهؤلاء الشباب؟ أهو الموت؟!! أم النجاة لهم؟ لا، بل هو الموت، هو الموت يا سادة. نحفظ ملامحه جيداً، نعرف مرارته؛ لأنه لم يندمل جرح موتك يا أبا عتيق. آه يا آل عتيق؟ ما هذا الحزن الذي ما توقعت أن أكتبه يوماً؟ وما هذا الحدث العظيم الذي ما تمنيت أن أسجله بتاريخ عمري يوماً؟ لكنه حدث، ولا نقول إلا كما قال تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ . نحن مؤمنون بأن الموت قدر من أقدار الله عز وجل.. هو القدر الوحيد الذي نقف أمامه بخشوع ورهبة.. والذي نؤمن به تمام الإيمان.. ونعلم بوجوده أينما نذهب.. والقدر الوحيد الذي لا نستطيع تغييره بمرور الزمان.. حتى المؤمنون أشد الإيمان.. يقفون أمامه مرتجفين خائفين.. نحن نعلم أن عباقرة التاريخ الذين ظنوا أن الحياة لن تستمر بدونهم.. أجسادهم الآن تملأ القبور.. فالموت هو القدر الوحيد الذي قهر الزمن.. فلا توجد قوة في الكون كله قادرة على قهره سوى الله الواحد القهار.. لكن ما أصعب مرارة الفراق وفقدان الأحبة، ما أصعب الوقوف في نفس المكان الذي أديت عليه الصلاة على أبي عتيق، وبعد أيام معدودة؛ لأرى منظر جثامين هؤلاء الشباب أمام الإمام مسجاة. ما أصعب الموقف حين ترى الرجال يسودهم الصمت المفعم بالحزن.. والمليء بالخوف وشدة الوجل.. أمام الواحد القهار.. ما أصعب الموقف حين ترى الدموع تذرف من أعين رجال جاوزوا السبعين. كم هو قاس هذا الشعور.. نحن نعلم أن الدموع تنزل في الكثير من الأحيان، لكنها عند الفراق أكثرها حرقة للقلب.. آآآه آل عتيق!!! حين أرى أحزان العالم كلها نصب أعينكم ساعة الدفن. ويبقى الحزن متغلغلاً في أعماقكم.. فيقف العقل عاجزاً عن التفكير.. فكم أكره الفراق، وكم أكره الدموع، وكم أكره الأحزان.. وأدعو الله أن تتلاشى هذه الغيمة؟؟ وأن يرحمنا الله بنعمة الصبر والنسيان؟؟ وبالرغم من هذا لا نستطيع التفوه بكلمة واحدة.. بل بحرف واحد.. ولا نستطيع لوم القدر على أفعاله.. لأننا مؤمنون بالله.. واليوم الآخر.. فلقد فارقنا الأحباء والأعزاء؛ لكي يلتقوا وجه الكريم.. بإذنه تعالى.. فلا يوجد ما نفعله سوى.. الدعاااااااااء لهم بالرحمة والغفران.. فلقد ذهبوا إلى حيث سيذهب الجميع.. ذهبوا إلى مكان واحد.. مكان لا فرق فيه بين غني وفقير، قوي وضعيف.. جميعهم سواسية أمام الله الأعظم.. الواحد.. الذي لا إله إلا هو.. لم أجد ما يفرغ أحزاني سوى القلم.. لعله يستطيع التخفيف من أحزاني الفياضة.. فكل شيء حولي يذكرني بهم.. فقد كانوا مقبلين على الحياة بشدة.. وكلما أتذكرهم أشعر بقلبي يُدمى ودموعي تفيض بغزارة.. هكذا الموت يأتيك على حين غرة.. ومن دون ميعاد.. اللهم ارحمهم، واغفر لهم خطاياهم، واعفُ عنهم فأنت أرحم الراحمين، والعفوُّ الكريم. أسأل الله أن يجمعهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام، وأن يجمعنا معهم في جنات عدن عند مليك مقتدر. سعود بن شايع السهلي