السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: لقد وقع في يدي كتيب يحمل عنوان «نحو مستقبل عربي أفضل» لكاتب عربي هو رياض الجابري.. وهو كتيب حاول مؤلفه ان يكشف ألوان التخلف الحضاري الذي يرجع إلى سببين رئيسيين: الأول: سبب خارجي خلقته الغلبة التكنولوجية في أكثر ميادين حياتنا ومرافق دنيانا. الثاني: سبب داخلي جاءنا عن طريق التحويلات التي لمست القيم والمثل وغيرت العادات في المعاملات وبعض الاعتقادات. ونحن في هذا التخلف نجد أنفسنا قد زحمنا بما قذفته الحضارة الغربية من مبتدعاتها.. ومنها: 1 العقول الالكترونية التي تفكر بعد ان يغذيها الإنسان بالمعلومات. 2 الحاسبات الالكترونية وهي آلة ذكية جدا تستطيع ان تجيب على عدة مئات من المتحدثين في آن واحد وحول مختلف الأسئلة التي يطرحونها. 3 الجريدة الالكترونية التي تكشفت دراسات علم المستقبل عن امكانية تعميمها. 4 الطاقة النووية التي ستصبح كبديل مستقبلي للبترول وكمصدر هائل للوقود. 5 أشعة الليزر التي ستكون وسيلة المواصلات الرئيسية في العالم لأنها ستضاعف قوة المواصلات الحالية مليون مرة عن عام 2000م. وبعد ان يعرض المؤلف لهذه المبتدعات وتأثيراتها على الإنسان يعقب بقوله: ونحن العرب عندما نتطلع إلى تربية الفرد تربية دينية إنسانية.. تربية خلقية وجدانية.. فإنما نعود إلى منطلق تربيتنا الإسلامية العربية الأصيلة التي عرفتها حضارتنا وانطلقت في الأصل من مبدأ ديني وإنساني شامل لتولد في قلبها حضارتان: 1 حضارة مادية ترد على حاجات الإنسان ومطالبه. 2 حضارة فكرية تزاوجت مع منازع علمية تجريبية رائدة. ولم ينس المؤلف في زحمة المعلومات وفي بوتقة التكنولوجيا ان يعرض على موضوع إنساني هو الحب فيعدد معانيه وأنواعه.. ثم يقول: وفي مجتمعاتنا لاشك أننا نعاني صراعاً عصيبا ماديا ونعاني سباقاً وراء لقمة العيش يتميز بالشطارة والمهارة.. ونعاني هموماً.. ونعاني جهاداً لنكون من العالم لا الثالث. وفي هذا الصراع المادي الذي يتحدانا بغلبة تكنولوجية نسينا موضوع الحب.. فضاع ولم نستطع ان نحصل عليه لأننا لم نجده في الأسواق ولم يكن سلعة معروضة لتشرى وإلا لكنا اشتريناه إذن أين نجد الحب؟ ويجيب على هذا التساؤل بقوله: «والعالم كله بحاجة إلى هزة حقيقية تعيد للإنسانية وجهها الصحيح وتوازنها الذي ضاع في طغيان المادة على كافة الجوانب الأخرى». وعند ذلك يبدو الوجود دون حدود.. لأن الحب ظاهرة كونية تتجاوز الحياة البشرية إلى الكون الواسع والكون كله يتكون ويتحرك بالحب.. وعند حديثه عن علاقة الحضارة بالثقافة.. يعدد الروابط الحضارية بالأسرة والمجتمع والمدرسة والاقتصاد والسياسة العسكرية.. فأين يقف المثقف العربي من كل هذا؟ يستشهد للإجابة عن هذا التساؤل بمقولة للدكتور «محمد الرميحي»: «إن الثقافة العربية تنتج في الغالب مشوهي ثقافة.. لا مثقفين حقيقيين». ويعقب على ذلك: ألهذا السبب نحن في عقم ثقافي؟.. ألهذا كنا في تخلف اجتماعي واقتصادي؟.. ألهذا تغلب علينا ثقافة التفكير؟. المثقفون الواقفون على تفاريق العصور.. العصر اليوم هو عصرهم.. فحبذا لو ارشدوا الناس وأخلوا بأيديهم منذ طفولتهم وأثناء شبابهم وعبر زمانهم وأعادوا لأعينهم النور.. نور التفتح والأبصار.. حبذا لو أعطى المثقف جيل الضياع واليأس أرضاً واحتواء.. اعطاء جذوراً وانتماء بكلمة مخلصة مسؤولة.. وحواراً صادقاً.. وإذا كان المثقف هو عنصر من عناصر التغييرات في المجتمع التي تحدث التطور والتخمر والنضج في المجتمع فحبذا لو عرفنا أين نزرع هذه العناصر وفي أي معامل إنسانية نربي أمثال هذه العقول المفكرة التي تحتاج إليها البشرية. يقول مثل صيني: «إذا أردت ان تزرع لسنة فازرع قمحاً.. وإذا أردت أن تزرع لعشر فازرع شجرة.. وإذا أردت أن تزرع لمائة فازرع رجالاً».. هذه رؤية مختصرة لموضوعات ذلك الكتيب.. الذي أراد مؤلفه ان يكون مفتاحاً لبحث مستفيض ونقاش جاد للبحث عن المستقبل الحضاري والتطور الذي ينبع من ذاتنا العربية ومن تشريعاتنا الإسلامية المنظمة لكل شأن من شؤون الحياة.. لأننا إذا استرشدنا بنطريات وافدة بعيدة كل البعد عن قيمنا وتقاليدنا الاجتماعية.. وقلنا اننا نخطط لمستقبل حضاري فنحن واهمون.. لأن الغرب لا يزال ولن يزال ينظر إلينا على أننا مجرد شعوب استهلاكية متواكلة تتكئ على انتاجه وتسير على خططه ومناهجه ودراساته. ولو نظرنا إلى العديد من انتاج البلاد الإسلامية من المواد الغذائية والسلع الاستراتيجية كالأرز والبن والملح والبترول والحبوب والقطن فسنجد ان الغرب يأخذها منا ثم يعيد تصديرها إلينا. ونحن الخاسرون في الحالتين.. فنحن نبيع بالرخيص ونشتري بالغالي ولا يمكن ان يتحقق خلاف ذلك إلا إذا عدنا إلى حضارتنا الإسلامية وما فيها من تشريعات إنسانية رائعة.. ثم اعتمدنا على أنفسنا وعلى استغلال مواردنا وثرواتنا وتصنيعها بأيدي أبناء الأمة وعمقنا مفهوم الثقافة الصحيحة في الأجيال الحاضرة والمستقبلية.. عند ذلك فقط نستطيع ان نقف على مشارف الحضارة التي ننشدها ونسعى إلى إرساء قواعدها.. حينذاك فقط لن نكتفي بترديد قول الشاعر القديم: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا بل علينا ان نبني أفضل وأن نفعل أكثر مما فعلوا لأن ا لتشريع الإسلامي كفل لنا حرية العمل والتعامل. وان الله حبانا بثروات طبيعية.. وأمدنا بطاقات بشرية يمكن إذا استغلت الاستغلال الحسن ان تتعدى حدود الحلم والأمنيات. مالك ناصر درار