قال دون مقدمات : زوجتي تغار علي ولكنها لا تحبني، واضحة العبارة، ، كان بإمكاني أن أحللها وأتفلسف عليها ولكن لأنني لم أعد أميل إلى التصرف مع الناس كمثقف لم أبادر إلى إزالة الدهشة، تركته يكمل، إما أن يفرج عن دهشتي أو يبقي عليها، فالعبارة عبارته، والتجربة تجربته، هو الذي يعرف لماذا تغار عليه زوجته، ولماذا تغار عليه دون أن تحبه، فقد تجاوز الأربعين من عمره، وتعدت زوجته الخامسة والثلاثين وزواجهما يدخل عامه الرابع عشر، تجربة طويلة وكافية أن يعرف كل علاقة له بزوجته، وكافية أيضاً أن يفلسفها ويحللها وأن يركب عليها كلمات تفصح عن حقيقتها؛ حتى وإن كان تعليمه متوسط المستوى، وزوجته على ما أتذكر تعمل مدرسة، بنت ناس طيبين، وأتخيل أنها امرأة سوية قادرة على الحب والغيرة، وعلى إنتاج كل العواطف التي يحتاجها الجنس البشري، لم تختره ليأتي ويخطبها، ولكنها لم ترفضه عندما جاء يخطبها، حسب علمي كان بإمكانها أن ترفضه بصورة (ميكانيكية)، أقصد بكلمة (ميكانيكية) شيئان الأول أن قرار الزواج لم يفرض عليها، كانت تستطيع وبكل سهولة أن تقول (لا) فوالدها ليس من النوع الذي يفرض على بناته أزواجهن، والثاني في صفة ميكانيكي، أنها أيضاً لا تستطيع أن ترفضه فقد فرضه عليها المجتمع لكونها امرأة، وقرار الزواج بصفة عامة هو خيار الرجل، فلو أنها رفضته ربما يتأخر الرجل الآخر أو الرجل الذي تخيلته، وقد تنشأ كارثة من رفضه، فمن يضمن لها أن يأتي بعده رجل يخطبها، فكما قلت فقد جاء زواجها منه بموافقة ميكانيكية لها أن ترفضه وعليها أن تتزوجه فتزوجته، يمكن شرحي لكلمة ميكانيكي يوحي للقارئ بالجواب وهذا أسوأ ما أتوقعه فتحليلي لكلمة ميكانيكي تحليل ثقافي وليس سيكولوجياً أو شخصياً، وضرب في العموميات، فالجبرية موجودة في كل ركن من أركان الحياة، لو اخترت من كل الأطعمة الكبسة على سبيل المثال وأكلتها لقلنا أنك (اخترت)، ولكن الكبسة في الوقت نفسه فرضها عليك المجتمع لأنه عودك عليها منذ الصغر، وهكذا كل شيء في الحياة لو أني أجبت على هذا السؤال من عندي وفلسفته على كيفي سأبدو مثقفاً ولكني في النهاية سأكون مثقفاً مزيفاً فأنا لا أعرف المرأة، ولم أجلس معها أبداً، ولم تطرح علي مشكلتها، وفي الوقت نفسه لم أترك الرجل يكمل كلامه، طرح عبارته علي في صورة خبر وأنا بدوري أطرحه عليه في صورة سؤال، أتصور إذا أراد أن يفسر لنا عبارته عليه أن يعرف الحب ويعرف الغيرة، ويضرب لنا بعض الأمثلة من حياته حتى نتأكد فعلاً أن زوجته تغار عليه ولكنها لا تحبه، قبل المضي في تحريضه على الكلام أكثر، أسجل حسدي لهؤلاء الرجال الذين لم يدخلوا أبداً في الحياة النظرية، لا يقرأ الكتب ولم يطوّل في المدرسة، لكن أرجو ألا يفهم أحد أنه جاهل، فهو رجل قوي وصاحب مبادرات، ولكنه مثلي ومثل أي سعودي آخر لا يملك رصيداً كافياً من تجارب الحب، لذلك يحتاج إلى تعقيدات كثيرة حتى يصل إلى العبارة التي باغتني بها، ويميز بين غيرة امرأته عليه وبين حبها له، فأنا على سبيل المثال أخلط بين العاطفتين، رغم أني قرأت كثيراً عن الحب والهيام وعلاقته الشديدة بالغيرة، ما تعلمته من الكتب هو ما أستطيع أن أكتبه لكم عنه، أما أن أطبقه على الحياة فالأمر في غاية الصعوبة، فما يكتبه الآخرون هو أيضاً تجارب شخصية أو متخيلة، ولا يمكن تعميمها، استطيع في أي وقت أن أقول لكم أشياء كثيرة عن الحب وعلاقته بالغيرة وسيكون كلاماً ممتعاً لأن الكلام عن علاقة الرجل بالمرأة يبقى دائماً مثيراً وباعثاً على الدهشة، فأنا متأكد الآن أن أكثر القراء ينتظر أن أبين له ما آلت إليه حياة صديقي الذي باح لي دون سابق إنذار أن زوجته تغار عليه ولكنها لا تحبه، كلنا متشوقون لسماع أي حديث عن الحب،