* الهواجس الإنسانية هي النبض الوجداني لخلايا البوح والتعبير لمنح الحياة لون البقاء والنقاء والانتماء والتفاعل والحضور. ونحن هنا نستقطب أصداء أولئك الرجال الذين أسهموا في الحضور البهيج بفكرهم وأدبهم، وآرائهم، وما جادت به قرائحهم المسكونة بالحب والفكر والنبل وبوادر الارتقاء. * شخصيتنا من الرجال الذين ادركوا قيمة الوقت، وتفتحت افاقهم نحو بيادر الفكر والعلم والتاريخ. * ولد عام 1336ه في مدينة «صبيا» بمنطقة «جازان» وتلقى تعليمه لدى والده وعدد من علماء بلاده حيث درس الفقه والنحو، والصرف والبلاغة. * كوَّن نسيجه الفكري بالقراءة والاطلاع، والإفادة من مشايخ جازان، والبحث والتأمل في المصادر والمراجع. * اتجه الى البحث والتأليف.. فكان نتاج ذلك عدداً من الإصدارات الثقافية والاختصاصية. عن حضور الاستاذ محمد العقيلي في الميدان الفكري والثقافي ودوره في التوثيق الجغرافي بجنوب المملكة، يتحدث الأستاذ الفريق يحيى بن عبدالله المعلمي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة وهو من ذوي الاختصاص في هذا المجال فيقول عن الشيخ محمد العقيلي«1»: «الأستاذ الشاعر الأديب شاعر الجنوب الأستاذ محمد بن أحمد عيسى عقيلي، وهو شاعر الجنوب ومؤرخ الجنوب ايضاً، له من المؤلفات قائمة كبيرة لا أستطيع حصرها في الحديث، ولكن سأشير الى بعض منها: فله كتابه التاريخي الكبير «تاريخ المخلاف السليماني» او جنوب الجزيرة العربية، جنوب المملكة العربية السعودية، وهو عن منطقة جازان وما حولها. مجلدان طبعا عدة مرات، وهو يعد مرجعا لتاريخ المنطقة سواء في العصور المتقدمة ما بين العصور الإسلامية: الأموي، والعباسي. وما بين العصور الحديثة. لانه جمع كثيرا من المعلومات ووضعها في هذا الكتاب. وله ايضا كتاب كبير عن التاريخ الأدبي لمنطقة جازان وهو يقع في ثلاث مجلدات كبيرة تبلغ مجموع صفحاتها اكثر من 2000 صفحة عدا الفهارس. وهذان الكتابان اعتقد ان كلاً منهما يصلح ان يكون رسالة دكتوراه، والاستاذ العقيلي لم يمارس الكتابة بالطريقة الاكاديمية التي تحرص على توثيق المعلومات ووضع الهوامش واسناد كل رواية وكل معلومة الى مصدرها الحقيقي الأصلي. وهو يكتب من الذاكرة ويكتب استنادا الى مراجع مخطوطة لديه يعود اليها ويسجل مواعيده فيها، وله فضل نشر هذه المعلومات وإلا لظلت مطوية في بطون هذه الصحف والكتب مدفونة وينتهي اثرها لو لا ان الاستاذ محمد العقيلي قد وفقه الله الى نشرها واخراجها الينا لما علمنا عنها شيئاً. والحقيقة ان الاستاذ محمد احمد عيسى عقيلي لم يذكر المراجع في كتابه ان كل فقرة او كل معلومة فهو قد اشار الى المراجع في آخر كتابه الى المراجع التي رجع اليها بعضها مطبوع وذكره، وبعضها مخطوط ولعله لم يذكره، لأنه ليس مطبوعاً ولا يتسنى الرجوع اليه. وعلى كل حال فجزاه الله خيراً. وله ايضاً كتب في الأدب في التاريخ الأدبي لمنطقة جازان، وكذلك له كتاب عن شعراء الجنوب. «شعراء الجنوب» هو ديوان صدر للأستاذ محمد العقيلي وشاعر الجنوب ايضا السيد محمد بن علي السنوسي رحمه الله فهما شاعران يجريان كفرسي رهان وقد صدر هذا الديوان في سنة 73ه تقريباً. وقد أرسل اليّ نسخة منه وكتبت عليه تعليقا نشر في إحدى الجرائد اليومية ويعد هذا أول ديوان صدر لهما. وبعد ذلك صدرت دواوين عديدة للأستاذ محمد احمد العقيلي من ضمنها «أفاويق الضماء»، والأنغام المضيئة ، ورأد الضحى وديوان عقيل الذي جمع كثيراً من شعره الذي لم يوجد في دواوين أخرى. وله في التاريخ كتب حديثة منها كتاب الشيخ محمد بن عبدالوهاب شخصيته وآثاره، ومنها الآثار التاريخية في منطقة جازان، ومنها ايضا له كتاب عن اللهجات. المعجم الجغرافي عن منطقة جازان، وهو امتداد للمعاجم الجغرافية التي كتبها الاستاذ الشيخ حمد الجاسر. وله ايضا في اللغة المحلية كتاب معجم اللهجات المحلية، هذا جمع فيه الكلمات المحلية الشائعة في منطقة جازانوجنوب المملكة، وله كتاب (عسير في ادوار التاريخ). وهو كتاب تاريخي جيد يحتوى على معلومات. وايضا كتب الأدب الشعبي في الجنوب وهو جزءان جمع فيهما كثيرا من اشعار العامية الشائعة في منطقة جازان. وبالرجوع اليه يتضح ان الشعر باللهجة العامية ليس صالحا للنشر في مختلف الدول العربية، لانه وانا ابن جازان صعب عليّ قراءة بعض الأبيات والأشعار الموجودة في هذا الكتاب، لانها مكتوبة بلهجة عامية مغرقة في العامية وبعيدة عن اللغة العربية الفصيحة. وكذلك جميع ما ينشر باللغة العامية. الأستاذ محمد أحمد عيسى عقيلي لم يتلق دراسة اكاديمية جامعية، ولكنه هو نفسه جامعة، فهو موسوعة علم تلقى العلم عن مشايخ في جازان وحفظ القرآن ودرس اللغة العربية والنحو والأدب والشعر وتفقه في الدين وهذه سمة عامة في معظم المثقفين في منطقة جازان، هذه ثقافتهم العامة وهو ركز جهده في كتابة التاريخ، تاريخ الشعب نفسه او تاريخ المنطقة، وكتب كتباً كثيرة في التاريخ وأشرت اليها. وكما قلت ان كتاب تاريخ المخلاف السليماني او تاريخ الأدب العربي في الجنوب يصلح كل منهما ان يكون رسالة دكتوراه اولا لكبر حجمه، ثم لاستيعاب مواده. والاستاذ محمد احمد عيسى العقيلي شاعر مبدع وقد اذيعت اشعاره ونُشرت في الصحف المحلية في داخل المملكة وخارجها، واذيعت ايضا في محطة لندن، له قصيدة في الحرب العالمية اذيعت ايام الحرب الثانية، اذيعت من محطة لندن وكانت الفائزة بالجائزة الأولى على مستوى العالم العربي. وله شعر كثير فمن ضمنه مثلاً قصيدة عارض بها قصيدة للشيخ احمد ابراهيم الغزاوي ومطلع قصيدة الشيخ احمد ابراهيم الغزاوي يقول: دعوه فتهامى فيك ممتثلا وراح يضرب في إشراقه المثلا هذه قصيدة بمناسبة العيد ألقاها الغزاوي أمام جلالة الملك فعارضها الاستاذ محمد العقيلي بقصيدة نشرت في جريدة أم القرى يقول فيها: وافاكَ يشرق في اسماطه جملا مفصلا كنضيد الدر منتفلا شعر تأنق فيه الفكر واب تكرت اسبابه الروح حتى تم واكتملا كأنه الزهر انفاساً معطرة يرى النسيم على أرجائه خضلا كأنه الزهر اشراقا وقد كسيت به المعاني ضياءً وارتدت حللا كأنه من شعاع الشمس قد سكبت ألفاظه فادعاه البدو منتحلا به اكتسى العيد أبهى حلة نسجت طرازها المجد لا لهواً ولا هزلا فريدة لبس الإسلام زينته في عهدها واستفاض العهد منتهلا وله قصائد أخرى في موضوعات أخرى متنوعة، وهذا نموذج من شعره وله شعر كثير وله دواوين عديدة، ولعل من يطلع على دواوينه سيجد فيها أشياء كثيرة في مختلف الموضوعات الوطنية والفنية والأدبية والمديح وغيره من ألوان الشعر، وبالجملة فالأستاذ محمد احمد عيسى العقيلي نابغة عصره في زمانه وهو قد نبغ في العلم مفاجأة لانه لم يتلق التعليم في مدارس اكاديمية وانما تلقى قراءة على مشايخ زمانه وبقراءته الحرة عنده مكتبة كبيرة قرأها واستمتع بما فيها، ولعله أهداها الى جامعة الملك سعود وتشغل حيزاً كبيراً فيها. * للأستاذ محمد بن أحمد العقيلي جهود بحثية واجتهادات دفعته الى التأليف في زمن مبكر من عمره حيث أشار في أحد اللقاءات معه انه اصدر كتابه بعنوان «المخلاف السليماني» وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، وربما ان ما تضمنته الطبقات المتوالية لهذا الكتاب من اضافات.. إنما هي استدراكات لما حدث في الطبعة الأولى من قصور. * ولدوره المهم في توثيق المواقع الجغرافية والتاريخية وتوثيق الأدب في جنوب الجزيرة العربية من خلال بحوثه واعماله المتواصلة فقد حصل على الميدالية الذهبية من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة وتم تكريمه في مهرجان التراث والثقافة بالجنادرية عام «1416ه» تقديراً لعطائه الفكري وما قدمه للمكتبة العربية والمكتبة السعودية من بحوث وكتب قيمة. * الأستاذ محمد بن احمد العقيلي اول رئيس للنادي الأدبي بجازان عين عام 1395ه واستمرت رئاسته له اربع سنوات ثم رأس النادي بعده نائبه الأستاذ الشاعر محمد بن علي السنوسي رحمه الله. وعن دوره الأدبي والثقافي.. يحدثنا الأستاذ احمد يحيى بهكلي نائب رئيس النادي الأدبي بجازان فيقول«2»:استاذنا الشيخ المؤرخ الأديب محمد بن احمد عيسى العقيلي معلم فكري شامخ من معالم المملكة العربية السعودية، ومن معالم منطقة جازان بشكل خاص، هو مؤرخ منطقة جازان وهو أبرز شخص اهتم بتراثها ومخطوطاتها، وحاول قدر امكانه ان ينشر ما استطاع الوصول اليه وما استطاع تحقيقه وتنضيده من المخطوطات التي تتعلق بتاريخ منطقة جازانوجنوبي غربي المملكة العربية السعودية، وربما كانت هناك مخطوطات كثيرة في حوزة الاستاذ محمد العقيلي تتعلق بتاريخ جغرافية جنوب غربي الجزيرة العربية. عرفت الرجل مبكراً، فقد قرأت له كتاب المخلاف السليماني الذي يعد كتاباً رائداً في بابه، وقد جمع فيه معلومات ربما لم يصل اليها غيره، فقد بذل جهده حفظه الله في تسجيل ما يتعلق بتاريخ منطقة جازان، او ما كان يسمى المخلاف السليماني. وعندما صدر كتاب المخلاف السليماني في طبعته الأولى في بداية السبعينيات الهجرية، احدث ضجيجاً وكان له اهتمام كبير جداً في الأوساط الثقافية والتاريخية ومازال هذا الكتاب رائداً في بابه، والأستاذ محمد بن احمد عيسى عقيلي رجل مجتهد وقد بذل جهده كثيرا في جمع مخطوطات كثيرة من مصادر مختلفة، وربما تحسب له هذه الخطوة الحميدة انه حفظ هذه المخطوطات من الضياع لانها كانت موجودة لدى أناس لا يقدرون قيمتها وربما كانت اندثرت لو بقيت لديهم، فقد اسكنها لديه مسكنا عزيزا وحال بينها وبين الاندثار، وحاول قدر امكانه ان يبرزها في المحافل العلمية ووفق في ذلك فقد نشر بعد المخلاف السليماني ديوان القاسم بن علي بن هتيمل، وهو من نوادر المخطوطات الموجودة في المكتبات العربية والشاعر القاسم بن علي بن هتيمل من شعراء القرن السابع الهجري، وله ابداع جميل ربما لا يقل عمن سبقه كالبحتري وابي تمام والمتنبي ولكنه كان مغموراً وربما نشر الاستاذ العقيلي لديوانه تجلية له ولنتاجه، وقد أفاد هذا الكتاب كثيراً من الباحثين، فكتبت رسائل علمية كثيرة عن هذا الشاعر. ثم انطلق بعد هذا الى جوانب كثيرة يصعب ان نحيط بها، ولكن شخصية الاستاذ العقيلي متنوعة، فهو الى جانب كونه ناثراً ومؤرخاً وأديباً، فهو شاعر كذلك وله مجموعة شعرية كبيرة تشمل ما يقرب من اربعة دواوين شعرية، وقد كرمته بحق دولتنا الرشيدة من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة، مهرجان الجنادرية، وقد مُنح وسام الملك عبدالعزيز وكان تكريمه في محله في حقيقة الأمر، فالرجل رائد من رواد الأدب والتاريخ والكتابة الأدبية في المملكة العربية السعودية. والاستاذ العقيلي فاعل في حياتنا الثقافية فقد كان أول رئيس لنادي جازان الأدبي، وكان مؤسسا لهذا النادي مع صديقه ورفيق رحلته الأستاذ محمد بن علي السنوسي. ومما اذكر عن الاستاذ محمد العقيلي انه حريص جداً على تشجيع المواهب الشابة، فقد نشر في بداية رئاسته لنادي جازان الأدبي كثيراً من الأعمال للشباب الذين اصبحوا بعد من المبرزين، وله شعر جميل وهو منفتح الأفق شعره في جملته وجداني، كما انه يعالج قضايا وطنية وانسانية واسعة، وهو مولع بالشعر المترجم يقرأ فيه ويقرأ تراجم كثيرة ويكتب عن أدباء اوروبيين وامريكيين وهذا يدلنا فعلا على سعة أفقه وعلى انه متطلع كثيرا الى اثراء ثقافته والإفادة بما يصل اليه. ومما اذكر انه نشر حلقات كثيرة في مجلة المنهل عن شعراء امريكيين، وكنت استغرب ان يكتب الاستاذ العقيلي عن هؤلاء الشعراء والأدباء الامريكيين، ولكنني حينما زرته وجدته انه يملك كتبا ومراجع هائلة في الأدب الأمريكي والأدب الأوروبي، وذلك وضح لي ان الرجل ليس مجرد مؤرخ متقوقع في مخطوطاته، او شاعر محدود الأفق في لغته وفكره المحدود، اقصد في لغته العربية، وإنما هو حريص على ان يوسع ثقافته بشكل او بآخر، ومن اجمل ما قرأت له قصيدة يعارض فيها لامارتين في قصيدة البحيرة المشهورة. وقد نشرها في مجموعته الشعرية التي صدرت قبل ما يقرب عن عشر سنوات. ومن أفضل الكتب التي نشرها مؤخراً كتابه «أضواء على تاريخ الجزيرة العربية». وقد جمع فيه كثيرا من المعلومات التي ندت من غيره ممن عالج موضوعاً حساساً ومهماً كهذا. إن الأستاذ محمد العقيلي ليس شخصاً عادياً، وانما هو رائد وقد كرمته كثير من الجهات وتأتي في مقدمتها الدولة أعزها الله من خلال منحه وسام الاستحقاق. لكنني ايضاً اتذكر انه مُنح سمة رائد او شهادة الرائد في المؤتمر الأول للأدباء السعوديين الذي عقد في رحاب جامعة الملك عبدالعزيز، وهذا المؤتمر يعتبر مؤتمراً رائداً لأنه كرم كثيراً من الأدباء السعوديين. «1» حديث مسجل معه بالهاتف للبرنامج الاذاعي «رجال في الذاكرة» من إعدا المؤلف عام 1418ه. «2» حديث مسجل في «فندق قصر الرياض» أثناء مهرجان الجنادرية رقم الشريط 32ن//تسجيل برنامج «رجال في الذاكرة» عام 1418ه.