السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد فيما كان يؤدي عمله كالمعتاد، دخل عليه رجل في العقد السابع من عمره وكان يتوكأ على عصا، لتعينه على ما فعلت به السنون، وكان يستفسر عن مصير معاملة ابنه السجين والمدة التي تبقت عليه ليخرج من السجن، فلما أخبره أن محكوميته ستنتهي في النصف الأول من شهر رمضان المبارك، رأى الحزن قد بدا على وجهه، فأراد أن يهوّن عليه الأمر، فأخبره بأنه قد يشمله العفو ويخرج قبل ذلك، فزداد حزنه وازداد استغراب الموظف الذي تبدد بمجرد نطقه بمأساته بصوت اختلطت فيه الحسرة بالعبرة، فقال مأساتي تتلخص بأنني لا أريد أن يخرج فلذة كبدي من السجن، وأرغب في أن يبقى في السجن أطول مدة ممكنة، فأنا كما ترى رجل كبير في السن وأمه كذلك، وقد أتعبني ووالدته بكثرة دخوله وخروجه من السجن، حتى أتلف أعصابنا وأصابنا بالأمراض والأسقام، وفي بقائه في السجن رحمة لنا، فعلى الأقل نعلم أنه في أيدٍ أمينة، ثم إن خروجه في شهر رمضان بالذات زيادة في عذابنا، لأنه سيحرمنا في هذا الشهر الكريم من لذة التفرغ للعبادة، لكثرة مشاكله, انتهى كلامه ولم تنته فصول هذه المأساة، التي جعلت أباً يتمنى أن يبقى ابنه في السجن مدة أطول وهو الذي أحسبه في شبابه يمني النفس بأن يرزقه الله بالذرية التي تعينه في أيام هرمه، وعلى أية حال فليس هذا الأب وحده من عانى من فلذات كبده، فكم من زوج وزوجة التجآ إلى المستشفيات والعيادات الخاصة داخل الوطن وخارجه، في سبيل أن يستمعا إلى كلمة أبي أو أمي، وكم من رجل تزوج مرات ومرات في سبيل هذه الكلمة، وكم من زوجين سعيدين في حياتهما انفصلا عن بعضها في سبيل البحث عن هذه الكلمة، وكم من زوج لم يقنع بما رزقه الله من الإناث، فبحث عن الذكور بالزواج مرة أخرى، وبعد أن حصل كل منهم على ما يبتغي، ندم على ذلك أشد الندم من هول ما رأى من فلذة كبده، بل إن بعضاً من الآباء والأمهات أدخلوا اللحود ومرتع الدود بسبب ما فعله بهم أبناؤهم، بل إنني أعرف امرأة صالحة والله حسيبها توفيت بسبب عراك حقيقي بين أبنائها الكبار سناً والصغار عقلاً، دون أن يراعوا معاناة والدتهم الدائمة من مرض السكري والضغط, وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها ولد صالح يدعو له فالولد الصالح هو من ينتفع به والداه، في حياتهما وبعد مماتهما، وهذا الولد سواء كان ذكراً أو أنثى، لا يكون صالحاً ما لم يرضع منذ نعومة أظفاره من ثدي التربية ثم التربية ثم التربية. علي بن زيد القرون