صنّف العلماء الحياء إلى شرعي وغير شرعي فقال ابن حجر: «والحياء الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو ممدوح، وأما ما يقع سببًا لترك أمر شرعي فهو مذموم وليس هو بحياء شرعي وإنما هو ضعف ومهانة». وقال في موضع آخر: «الحياء الشرعي خلق يبعث على ترك القبيح». كما أن الحياء الشرعي انقباض النفس عما تُذم عليه وثمرته ارتداعها عما تنزع إليه الشهرة من القبائح، وهو شعبة من شعب الإيمان يبعث في النفس معاني الخير، ويضفي على القلب نورًا يمشي به صاحبه في الناس، والأدلة الشرعية في الحث على هذا النوع كثيرة. لكن الحياء المذموم هو أن يتحرج الإنسان فيه من فعل الخير والدعوة إلى الله وطلب العلم والتفقه في الدين، أو ينشأ عنه إخلال ببعض الحقوق والواجبات الشرعية، فلا يصح الحياء في طلب العلم ولا في السؤال عما لا يعلم الإنسان أو فيما يشكل عليه في أمر دينه. فقد قال البخاري في صحيحه في كتاب العلم: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «لاَ يَتَعَلَّمُ العِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ». وكانت أم سليم - رضي الله عنها - تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسائل دقيقة من أحكام النساء وتستفتح سؤالها بقولها: «يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق». فالمتعلم إذا حضر مجلس العلم يحرص على التحصيل والاستزادة من العلم وفهمه وجمعه والسؤال عما يشكل عليه، والمناقشة فيما يخفى عليه ليتضح له الصواب ويفهم من خلال الجواب، وجاء في سير أعلام النبلاء: أن ابن عباس - رضي الله عنه - ما قال عن نفسه: «إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وكان عمر - رضي الله عنه - إذا ذكر ابن عباس قال: «ذلك فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول»، فليس من الحياء الامتناع عن طلب العلم وتعلمه، وليس من الحياء الخجل الذي يفوت على صاحبه خيرًا ونفعًا. ومظاهر الخجل قد تجر إلى الحرمان من خير كثير، لأن الخجل هو أن يبقى الإنسان ساكتًا في الدرس أو في مجلس العلم لا يتحرك ولا يتكلم ولا يقدر على المشاركة ولا على البحث فيما ينفعه ويفيده، وهذا حياء مذموم وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل. وينبغي على الطالب أن يُعَوّد نفسه على المشاركة والسؤال في الدرس أو حلقة العلم، فإذا سلك هذا المنهج في حياة الطلب صار لديه علوم شتى ومعارف متعددة، وازدادت رغبته في العلم وتحصيله والتلذ بقراءته ومراجعته. * وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية