الكرملين: حوار بوتين وترمب «واعد»    عائلة أسيرة إسرائيلية ترفض حضور وزراء نتنياهو الجنازة    لأول مرة منذ ربع قرن.. دبابات إسرائيل تقتحم جنين    المملكة تهدي جمهورية بلغاريا 25 طنًا من التمور    رونالدو: تشرفت بلقاء ولي العهد السعودي في يوم التأسيس    مكافحة المخدرات تقبض على شخصين بالقصيم لترويجهما مواد مخدرة    الدكتور حسن الحازمي: يوم التأسيس السعودي قصة مجد تتجدد عبر الأجيال    بنهج التأسيس وطموح المستقبل.. تجمع الرياض الصحي الأول يجسد نموذج الرعاية الصحية السعودي    15 حكماً يجتازون «دورة المستجدين» لكرة الهدف    القيادة تهنئ إمبراطور اليابان بذكرى اليوم الوطني لبلاده    فعاليات متنوعة احتفاءً بيوم التأسيس بتبوك    دامت أفراحك يا أغلى وطن    أمير القصيم يزور فعاليات "ذاكرة الأرض"    «عكاظ» تنشر شروط مراكز بيع المركبات الملغى تسجيلها    علماء صينيون يثيرون القلق: فايروس جديد في الخفافيش !    8 ضوابط لاستئجار الجهات الحكومية المركبات المدنية    انخفاض درجات الحرارة وتكون للصقيع في عدة مناطق    ذكرى استعادة ماضٍ مجيد وتضحياتٍ كبرى    رحالة غربيون يوثقون تاريخ مجتمع التأسيس    وزير العدل: لائحة الأحوال الشخصية خطوة لتعزيز استقرار الأسرة    لا إعلان للمنتجات الغذائية في وسائل الإعلام إلا بموافقة «الغذاء والدواء»    مذكرة تعاون عربية برلمانية    الصندوق بين الابتكار والتبرير    رئيس "النواب" الليبي يدعو لتأسيس "صندوق" لتنمية غزة    ضبط وافدين استغلا 8 أطفال في التسول بالرياض    جدل حول مصرع مصرية في الأردن.. انتحرت أم قتلت؟    الاستثمار العالمي على طاولة "قمة الأولوية" في ميامي.. السعودية تعزز مستقبل اقتصاد الفضاء    ابتهاجاً بذكرى مرور 3 قرون على إقامة الدولة السعودية.. اقتصاديون وخبراء: التأسيس.. صنع أعظم قصة نجاح في العالم    هيئة الصحفيين تدشن هويتها الجديدة    الداخلية تستعرض الإرث الأمني بأسلوب مميز    تدشين «مجسم يوم التأسيس» في القصيم    في ذكرى «يوم بدينا».. الوطن يتوشح بالأخضر    تمنت للسعودية دوام التقدم والازدهار.. القيادة الكويتية: نعتز برسوخ العلاقات الأخوية والمواقف التاريخية المشتركة    لا "دولار" ولا "يورو".." الريال" جاي دورو    تعزيز الابتكار في صناعة المحتوى للكفاءات السعودية.. 30 متدرباً في تقنيات الذكاء الاصطناعي بالإعلام    مشروبات «الدايت» تشكل خطراً على الأوعية    جيسوس يُبرر معاناة الهلال في الكلاسيكو    موعد مباراة الإتحاد القادمة بعد الفوز على الهلال    الملك: نهج الدولة راسخ على الأمن والعدل والعقيدة الخالصة    الرافع للرياض : يوم التأسيس تاريخ عريق    نهج راسخ    "نيوم للهيدروجين الأخضر" تبني إرثاً مستداماً باستغلال موارد المملكة التي لا تنضب    النفط يسجل خسارة أسبوعية مع تلاشي المخاطر في الشرق الأوسط    جمعية رعاية الأيتام بضمد تشارك في احتفالات يوم التأسيس    الاتحاد يقسو على الهلال برباعية في جولة يوم التأسيس    125 متسابقاً يتنافسون على جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن.. غداً    وزير الشؤون الإسلامية: يوم التأسيس يجسد مرحلة تاريخية مفصلية في تاريخ مسيرة المملكة    افتح يا سمسم.. أُسطورة الآتي..    بنزيما: الاتحاد ليس قريبا من لقب الدوري    فجر صناعة السيارات في السعودية    من التأسيس إلى الرؤية.. قصة وطن    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينجح في زراعة منظم ضربات القلب اللاسلكي AVEIRTM️ الحديث ل"ثمانيني"    الحياة رحلة ورفقة    فريق الوعي الصحي التابع لجمعية واعي يحتفي بيوم التاسيس في الراشد مول    «الدباغ القابضة» تتقدم بالتهاني لمقام خادم الحرمين وولي عهده بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    الداخلية: ضبط (21222) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الدولة الأولى ورعاية الحرمين    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في ديوان (تذكار) لعبدالفتّاح سمك
نشر في الجزيرة يوم 30 - 12 - 2011

المطّلع على ديوان (تذكار) للأستاذ عبد الفتّاح سمك لن يغرب عن وعيه عمق التّجربة الشّعريّة المسيطرة على النّسق الشّعريّ وتراكماتها وامتدادها الزّمنيّ، فقد أودع الشّاعر في نصوصه كمًّا من خلاصات فكر وإتقان وصنعة نحتتها السّنون الطويلة الّتي تعايش فيها مع العمليّة الشّعريّة، ولذلك فإنّ ثمة ظواهر لافتة شكّلت ذلك النّسيج الممتلئ بمتشابكات تتداخل فيها مؤسِّساتٌ فكريّة ولغويّة وموضوعيّة، من أهمّها الظّاهرة اللّغويّة، حيث إنّ شاعرنا ينطلق من منظومة لغويّة متمثّلة في معجمٍ ثرٍّ من الألفاظ الرّصينة، والقواعد النّحويّة اللّغويّة الموروثة وما يتّصل بها من لغة فصيحة.
بيد أنّ ملمح الإسقاط التّاريخيّ وما يتّصل به من تراكمات أسطوريّة وسرديّات روائيّة وغيرها من ذلك الاسترجاع الماضويّ لأحداث مختلفةٍ متشبّثة في عدّة نواحٍ بالواقع الّذي يعيشه الشّاعر ونعيشه نحن، يجعل من تجربة (سمك) تجربةً متماسكة، تتشجّر فيها مساحات عدّة من الدِّلالات الفكريّة والنّفسيّة على نحو ما سنرى.
وتكمن أهمّيّة استحضار الرّمز التّاريخيّ في النّصّ الشّعريّ في أنّه تشخيص حسّيّ لصورة متخمة بالمعاني الواسعة والمختلفة، تَظْهر من خلاله قيمةُ الرّمز ووظيفته الدِّلالية، حيث تتّحد تلك الرّموز التّاريخيّة مع النّصّ الشّعريّ ليتشكّل لنا نسيجٌ إشاريّ مُستلهم من التّاريخ ومُستحضر في رحم الواقع في ومضات التقاء وتقارب بين الإطارَيْن، إضافة إلى تداخل الحركة الإنسانيّة بكلّ أطوارها الزّمانيّة المتمثّلة في الذّاكرة الجمعيّة كالتّاريخ والسّير والأسطورة...إلخ، لتندمج في قوالب حاضرة ماثلة للعيان، فتكون أقرب للثّقافة والشّعور الجمعيّين.
لقد سرد الشّاعر الوقائع التّاريخيّة على شكل اجتزائيّ وانتقائيّ لا يهدف إلى السّرد المقنّن للوقائع، بقدر ما يرنو إلى تحقيق غايات سياسيّة فكريّة، ولعلّ ممّا أُلِف في هذا الاستخدام أنّ استدعاء التّاريخ كثيراً ما يكون في لحظات الإخفاق والهزيمة، لتكون تلك اللّحظات مذكِّرةً بالمجد الأثيل، والتّاريخ المجيد، وهذا ما فعله شاعرنا في قصيدته (اعترافات تلميذ بمدرسة بحر البقر)، حيث وضعنا في البداية على قمّة المأساة الّتي حاقت بهذه المدرسة في رواية شفهيّة لتلميذ التهمت قذائف العدوّ بسماته وضحكاته وأتراحه: أحقا مات.. ولن ألقاه بعد اليوم.. دعوني أنزّف العبرات من قلبي لترويه.. فقد فارقته ظمآن حين تفجّر اللّهب.. دعوني.. لا أحبّ الصّمت.. رغم الجرح لن أصمت.. سأحكي كيف كان الأمس..
إنّ ذلك الأمس الّذي أراد الشّاعر التّلميذ أن يصفه لنا هو ومضات تاريخيّة لشخصيّات كانت تصنع المجد، وكانت عازلاً منيعًا لكلّ هجمات الأعداء: دعوني لا أحب الصّمت.. فليتفتق الجرح وكان يلفّنا الفرح.. إذا ما راح أستاذ (الموادّ) يقول عن أحمس أمير حارب الهكسوس كي تبقى لنا مصرا فتصرخ صرخة كبرى ونتحمس وعن عمرو جحافله تنثّ النّور والعطرا وتجتث المظالم تغرس الخيرا ونقرأ قصّة الأبطال بعد مدرِّس العربيّ فتلمع أعين بالشّوق والحبّ إنّ المنظور التّصوّريّ لسيرة التّاريخ يحرّك دِلالة الأحداث السّالفة لاستشفاف شخوص النّصر الماضيين، وإذا عددنا التّاريخ أساسَ تشكيل الهويّة البشريّة، أدركنا أنّ ذلك مرتبط بالمُدرك الذّهنيّ لفاعليّة الدّيمومة التّاريخيّة كي تبقى الأذهان معلّقة بخيوط الأمل في تكرار تلك اللّحظات حتّى في عمق الاندحار، ومن هنا تكتسب الهويّةُ سلطتها على القضايا القوميّة بوجه خاصّ، وبالتّحديد في وقت استثارة لحظات الهزيمة للرّوح الشّاعرة، فتأتي الرّموز التّاريخيّة باعتبارها محدثات ضرورية ومهمّة لمواجهة الوضع، وهذا ما حاول (سمك) أن يضعنا في إطاره، فعلى الرّغم من الهوّة الفارقة في التّاريخ والانتماء العقديّ بين (أُحمس) محرّر مصر وطارد الهكسوس، وبين (عمرو بن العاص) القائد الإسلاميّ فاتح مصر العظيم، إلاّ أنّ الفيصل المتقاطع بينهما هو تحرير مصر من الأعداء وردّهم، ومن هنا نشأت العلاقة الوامقة بينهما، وكلّ ذلك ناسب أن تُسترجع ذكراهما في موقف مؤلم ممتلئ بالهزيمة، لتتحوّل إلى نوع ما من الانتصار، انتصار العزيمة، وانتصار الفكرة، وانتصار الصّمود، والأهمّ انتصار التّاريخ، ويحسب للشّاعر أنّه يتجاوز مجرّد كون التّاريخ سردًا للأحداث، ومجرّد كونه إسقاطًا عاديًّا لها في الواقع، ليصل إلى حدّ الرّؤية الذّهنيّة والفكريّة، لتنقلب إلى همّ إعادة التّاريخ وتكراره، أو بمعنى آخر إعادة صياغته على أسس الماضي، لكنّ هذه الرّؤية، وهذا الأمل يجب أن لا ينقلب إلى مبالغة حالمة تفصل المتلقّي عن الواقع المرير، بل هو انطلاقة البداية للتّغيير، فالألم هو المحفّز والدّافع، والقراءة التّحليليّة النّافذة هي الّتي تضع الأمور في نصابها: ومات الحبّ في عينيه وذاب الحقد في شفتيه وفوق السّحب عند الشّرق..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.