نوبات من الحزن والفجيعة تنتابني برحيل القلب الطاهر صاحبة الدعوات الجميلة (أم محمد) منيرة الجهني جدة أبنائي التي عشت معها قبل أن يغيبها المرض والموت ذكريات من الصلاح والعفاف والتقى والنقاء والطهر كنت أتردد عليها زائراً طمعاً في الحصول على أكبر قدر من دعوات صادقة من قلب طاهر لا يبرح سجادة الصلاة، وكانت تخص كل من يأتي إليها زائراً بدعاء جميل وشامل له ولوالديه ولذريته وهذا ما يحتاجه أي مسلم.. كنت أعاتب زوجتي عندما يمر أسبوع دون أن تزورها.. وكنت أتمنى عليها لو خصصت من وقتها بشكل يومي وقتاً لزيارتها فهي نور يضيئ حياة من يختط طريقه للبناء الأسري وهي كنز لا يقدر بثمن في هذه الدنيا الزائفة. ما أجمل حبال الوصل عندما تظل ممدودة.. وما أقساها عندما تنقطع فلا تكاد تبصر سوى الأحزان والدموع تنهمر من حولك فلا تملك إلا أن تردد إنا لله وإنا إليه راجعون.رحلت (أم محمد) تلك المرأة المسنة الصادقة مع ربها ومع من حولها نحسبها والله حسيبها رحلت وسلمت الروح إلى بارئها الأسبوع الماضي لتلحق برفيق دربها الذي سبقها أسأل الله أن يجمع أرواحهما وأجسادهما في جنات الخلود بإذن الله في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ووالدينا وجميع المسلمين. (أم محمد) عن ماذا أكتب ويداي ترتعشان حتى لا تكاد تمسك بناصية الحروف؟ هل أتحدث عن مآثرك؟ عن تهجدك بالقرآن الكريم في كل شؤون حياتك؟ لا أتذكر أنني مررت بها دون أن أسمع آيات الله تتلى وذكر الله يدوي في منزل ابنها الأكبر محمد الذي قضت عنده جل حياتها فجزاه الله خيرا على بره بوالديه ورزقه بر أبنائه به كانت (أم محمد) تكثر التسبيح والتهليل ليل نهار حتى مع اشتداد المرض كانت تسأل الله حسن الختام وأن يمتع الله والدتي المسنة على طاعته.. عن ماذا أكتب يا أم محمد؟ عن سجادة الصلاة التي عبقت بطهارتك ودعواتك.. عن ماذا أكتب وأنت من كان لسانك رطباً بذكر الله؟ آه .. اسمحي لي (أم محمد) أن أكفكف دموعي قليلاً.. بعد أن بكتك والدتي متعها الله بالصحة والعافية وأحسن خاتمتها فبمجرد سماع خبر رحيلك انهمرت عيناها الكفيفتين بالدموع ولهجت بالدعاء أن يتغمدك الله بواسع رحمته ويسكنك فسيح جنانه ويجمعنا بك في جنات النعيم.اسمحي لي يا أم محمد أن أكفكف دموعي لقد عاد بي شريط الذاكرة عندما كنت تحملين ابنتي البكر (جود) وتقبلين رأسها وتمطرينها بدعواتك الصالحة.. اسمحي لي أن أمسح دمعات صغيرتي التي اختطت أثرها على وجنتيها بعد رحيلك فقد كنت ممن يدخل السعادة والفرح على محيا الصغار في كل مرة يدلفون حجرتك فتخرجين لهم من الحلوى والبسكويت ما يجعلهم أكثر فرحاً بقربك. أسأل الله كما جمعنا في هذه الدنيا أن يجمعنا في الآخرة وأن يجزل لك الأجر والمثوبة وأن يغسلك بالماء والثلج والبرد وينقيك من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأن يضيئ عليك قبرك ويرفع منزلتك للفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. ناصر السهلي