وله العاشق البعيد عن معشوقته يجعله يضرب مهامه الأمنيات ويغوص في أعماق المستحيلات ليخرج بتمنيات يرقص بها قلب محبوبته ليجعلها في عالم بعيد عن أحلام عاشقها بعداً إذا ما تصورته لتقطع قلبه ولهاً عليه إذ لا وسيلة تنقل إليه مشاعرها بالحرف أو بالمشافهة، وليس ما يمكن أن يحمل هذا الشعور في زمنها إلا الريح من باب المجاز في احتمال نقل الرسالة. أما وله العاشق في عصرنا هذا فلا يحول دون التعبير عنه بعد مهما طالت المسافة بين المتحابين، فنحن في عصر الهاتف المرئي، وعصر الفاكس الذي ينقل المشاعر المدونة من طرف الدنيا إلى طرفها الآخر، فلو أن عاشقاً في الصين كان له محبوبة بأمريكا، فإنه لا يكون بينهما بعد يمنع صلتهما وتغازلهما بأي أسلوب لأن كلامهما المتبادل بينهما تسمعه الأذن، وهيأتهما تبصرهما العين عبر الأثير الذي يصل بينهما في لحظات لا تعد، ومن هذا المنطق لم يعد لنا استعطاف الريح بنقل الرسالة ذهاباً وإياباً لأن الإلكترونات المخترعة قد نابت عنها بمجرد لمست أصبع لجهاز الفاكس أو الهاتف، ثم يتم نقل أنواع الرسائل الصوتية والصور المرئية. ولو أن الشاعر الذي عاش في أول القرن الربع عشر الهجري كان معتاداً نقل سلامه لمحبوبته بواسطة الريح عاد وعاش عصرنا هذا ورأى البث التلفزيوني وتعدد القنوات والتنقل بينهما بجهاز يعرف ب(الريموت) لها له أمر واقعنا الذي نعيشه، وأعاد النظر في تحميل الريح رسائله إلى محبوبته، وأعني بشاعرنا شاعر القرن الخامس عشر الهجري، مثل الشاعر بهاء الدين أبو الفضل زهير محمد بن علي بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن منصور بن المهلبي الذي تمنى أن تحمل الريح سلامه إلى محبوبته، وكأنه بذلك في عصر النبي سليمان الذي سخر الله له الريح تكون في خدمته متى شاء يقول بهاء الدين أبو الفضل من قصيدة خاطب بها محبوبته والمعروف عنه أنه لا يذكر اسم من يتغزل فيها على الإطلاق. استخدم الريح في حمل السلام لكم كأنما أنا في عصر سليمان(1) (1) الأدب المثمن لأحمد عبد الله الدامغ ص 15 - ص152.