ضمن لقائها الاسبوعي عقدت احدية الدكتور راشد المبارك بمنزله وذلك مساء يوم الأحد الماضي وكانت الأمسية الثقافية عن شاعرية المتنبي بين الغلو والاعتدال.. وقد قام بادارة الامسية الاستاذ محمد الهاشم بعد ذلك قدم كل من المتحاورين الشاعر الدكتور حيدر الغدير والدكتور راشد المبارك اوراقهما حول شاعرية المتنبي فأما الاول فانه قد غالى في سيرة المتنبي وأصبغ عليه من اللآلئ والاوصاف وأعلى في درجته ورأى انه من الاصفياء وانه شاعر لايرقى فوقه شاعر.. وهو الذي تغنى الدهر بقصائده وأما الدكتور راشد المبارك فموقفه كان شبه معتدل وان كان احيانا يميل الى تصيد أخطاء المتنبي ويحصي السقطات التي وقعت في قصائده. وقد تحدث في البدء المحاور الاول الدكتور حيدر الغدير عن شاعرية المتنبي ووجد ان قصائده تتدفق بالعاطفة الجياشة والموسيقى الجميلة والخيال الخصب وهو شاعر مجيد بجميع المقاييس والاوزان النقدية حيث انه امتاز بصدق التجربة وشعره مليء بلآلئ الحكمة. وأبدى الدكتور حيدر اعجابه بالمتنبي كشاعر إلا أنه ابدى تحفظا تجاه شخصيته المبتلاة بجنون العظمة والكبر وأنه كان يتطلع للتسيد والإمارة ولو على عشرين رجلا كما تقول الروايات التاريخية.. واعترف المحاور على رغم اعجابه بشاعرية المتنبي بأن مطالع قصائده كانت سيئة الا ان كل شاعر كانت له سقطاته والمتنبي شاعر عظيم على رأي الدكتور حيدر وله قدرة هائلة على خلق الصورة الجميلة المدهشة في ثنايا قصائده وضرب في ذلك امثله واستشهد بنماذج من ديوان المتنبي. بعد ذلك قام المحاور الثاني الدكتور راشد المبارك بقراءة ورقته عن شاعرية المتنبي وهي مقتبسة من مقال كان قد نشره على حلقتين في مجلة العربي قبل عشرة اعوام وكانت بعنوان «المتنبي ليس شاعراً» وأكد المحاور على أنه لاينفي مطلق الشعر عن المتنبي وانما قال المتنبي ليس شاعرا من باب حذف الموصوف مع إبقاء الصفة وهذا الأمر البلاغي يرد في كثير من اقوال العرب وقال الدكتور راشد لو أن مريدي المتنبي سلكوا بشاعرهم كأي شاعر ورأوا اليه بإنصاف واعتدال لما قمنا بتتبع سقطات المتنبي وعوراته ولكننا نقف ضد مبالغات الذين اوصلوه الى سماء الدنيا وأعلوا مقامه ونصبوه ووجدوه عظيما وأنه شاعر لم تنجب حواء مثله. واعترف الدكتور راشد المبارك بأنه لم يقرأ هذه السنه من ديوان المتنبي وأنه لم يتمم ديوان المتنبي قراءة في حياته بل انه ما استطاع أن يقرأ نصفه وقال المحاور أيضا ان الأدب والشعر ليس كعلم طبيعي يخضع لمقاييس ثابته وإنما مردّه إلى ذوق النقاد وآرائهم الذاتية. وعقب انتهاء المتحاورين من قراءة اوراقهما بدأت لجنة هيئة التحكيم في ابداء رأيها وهي مكونة من الدكتور علي الهاشمي و الأستاذ قاسم بن الوزير والشاعر المعروف سليمان العيسى وقد ابدى الدكتور الهاشمي وأدلى برأيه وقال إن هناك مقولة ذهبية مفادها «ان الادب لم تقل فيه الكلمة الأخيرة ولن تقال» ذلك لأن الكلمة الأدبية تختلف من مزاج إلى آخر.. والاختلاف من سنة النقاد.. إذ كانت القصيدة تعد مرآة الشاعر وماتجيش به نفسه في قوالب وأوزان.. ورأى الدكتور علي الهاشمي أن المتنبي كان رجلا مبتلى بجنون العظمة وأنه كان يقول في شعره مثلا.. أنا الذي نظر الأعمى الى ادبي.. ومن المؤكد أن النفسية الإنسانية عندما تجيش بمثل هذه العواطف المضطربة فإنها حقاً تأتي بالاعاجيب وتنفعل نفسه بالمعاني الرائعة.. ودعا الهاشمي النقاد إلى أن يكونوا أكثر اعتدالاً فلا يميلون كل الميل لامع أصدقاء الشاعر أو أعدائه بل يجب على الناقد الرشيد أن يقرأ الديوان من ألفه إلى يائه لكي يبني عليه حكما سديدا. وأبدى الشاعر المعروف سليمان العيسى رأيه وهو من هيئة لجنة التحكيم على أوراق المتحاورين وقال: إنني اكتب الشعر منذ سبعين حجة وأعترف أنني لست كشاعر أو ناقد وإنما أحمل احلاما وسرد المحاور قصة طريفة بهذا الشأن وتكمن في أنه قبل مجيئه لصالون الدكتور راشد المبارك الأدبي كان بصحبته الشاعر اليمني قاسم بن الوزير وانهما قد شاركا في صنع بيت شعري فقد قام الشاعر قاسم بمداعبة الشاعر سليمان العيسى وصنع صدراً من الشعر يقول فيه: إنما شاعر الذي رمحه شهر فما كان من الشاعر سليمان العيسى الا أن اتم ذلك الصدر وأتى بالعجز وانشد: «وفرسان جيشه الأحلام» وقال سليمان العيسى إنه حالم ويبقى حالماً يحمل هما وقضية تهمه أكثر من الشعر والنثر وقد يكون مخطئنا ومصيبا ثم حلق الشاعر العيسى بالحضور إلى ذكرياته الأولى وعالم طفولته وقال إنني كنت اعد نفسي تلميذا لهذا العفريت منذ صباي حيث إنني نشأت في قرية لواء اسكندرونة في سوريا وكان نهر العاصي يمر من أمام بيتنا الذي يقع في حارة البساتين وكانت تلك الحارة مكونة من عشرين بيتاً.. وكان بيتنا مبنيا من الحجر والطين والقرميد الأحمر.. وكان والدي الشيخ أحمد العيسى قضى ستين سنة يعلم اطفال القرية القرآن الكريم والخط العربي وشيء من مبادئ الشعر.. ووصف الشاعر سليمان العيسى والده بالمعلم الرائع الذي كان يشطر منزله الى نصفين احدها تسكن فيه العائلة والشطر الآخر كان يتخذه مدرسة للأطفال. وعندما اتم الشاعر سليمان العيسى حفظ القرآن وكان في السابعة من عمره طالبه والده بحفظ المعلقات.. ثم طالبه والده الشيخ أحمد بحفظ أهم الدواوين وهو ديوان المتنبي.. وكان يُفرض على ذلك الصبي كل ليلة ان يحفظ قصيدة من قصائد المتنبي.. كان ذلك الصبي يرى اقرانه ورفاقه يلعبون تحت ضوء القمر ويشعر بالحزن لأن قصائد المتنبي حرمته الاستمتاع بالبراءة والطفولة. ويقول الشاعر سليمان العيسى انه قد ورث الشعر من والده الشيخ أحمد الذي كان له صندوق خشبي يكنز فيه الدواوين الشعرية وكان يطلب من ابنه الشاعر سليمان ان يلحن الأشعار ويغنيها بصوته الطفولي.. وكان عمه الشيخ عيسى ينتشي لسماع الاشعار ويدعو له ويقول: طيّب الله حسك يا ابن أخي.. وكان أهالي القرية رغم عدم فهمهم لمعاني تلك القصائد إلا أنهم يحسون بالغبطة والسرور.. وكان والده الشيخ أحمد يكافئه بنصف ليرة سورية كل ليلة فيشتري بها اسواراً صغيرة ويهديها الى رفيقته ومحبوبته «سلمى» في الطفولة، ويقول الشاعر سليمان العيسى إن للمتنبي فضلاً عليه و على حبيبته سلمى وكان يحتفظ بشرح اليازجي لديوان المتنبي ويستطيع أن ينشد مطالع قصائد المتنبي عن ظهر غيب. ويشيد الشاعر سليمان العيسى بثروة الشاعر المتنبي اللغوية وأنه قد عاش في القرن الرابع الهجري الذي كان يعد بحق عصر الازدهار في ثقافتنا العربية ويصم العيسى المتنبي بأنه كان شاعر التناقضات يأتي بالجيد والرديء في قصيدته معا. المداخلات * * قال الدكتور أحمد بهاء الأميري بأن المتنبي ليس انساناً عظيما وكان فيه من الصفات المستكرهة وأنه قد قام بإحصاء عدد ابياته فوجدها تبلغ خمسة الاف و خمسمائه وخمسين بيتا.. والعظمة لاتقاس بالكمية والعدد بل تقاس بالروائع وهذا ماحدا بالشاعر سليمان العيسى أن ينتخب خمسين قصيدة للمتنبي. * * الدكتور عبدالله الفوزان قال بأنه لم يجد الخلاف واضحا بين ورقتي الدكتور راشد المبارك والدكتور حيدر الغدير اللتين ألقاهما عن قصيدة المتنبي. * * الدكتور مسعد العطوي عضو مجلس الشورى رأى أن هناك ميزة اختص بها الشعر وهي المعاني الانسانية.. والشاعر المتنبي معانيه متواصلة مع الثقافة اجتمع له عمق الفكرة وقوة الاحساس وأخذ على المتحاورين الدكتور راشد المبارك والدكتور حيدر الغدير انهما يحاولان إذابة الإحساس لدى المتنبي ويرى الدكتور مسعد أن المتنبي كانت نفسه تجيش بالمعاني الانسانية كما الشاعر الفرنسي فكتور هوجو والشاعر الانجليزي شكسبير.