بريدة - بندر الرشودي - تصوير - عبد الله الرضيان أكَّد أكاديميون أن سياسة الاستقدام المرنة وغير المقيدة خلال العقود الثلاثة الماضية تسببت في تدفق أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية متدنية الأجر والمهارة نتج عنها تبني القطاع الخاص الخليجي لنموذج أعمال business model يعتمد على استخدام كثيف للعمالة غير الماهرة ومتدنية الأجر تراجعت معه إنتاجية عنصر العمل ومستويات الأجور، وهو ما حد من قدرة العمالة المواطنة على منافسة العمالة الأجنبية وجعل القطاع الخاص يتمسك بتوظيفها ويقاوم جهود الإحلال، وما لم نصل إلى حلول غير تقليدية تصحح نموذج الأعمال وتزيد من تنافسية العمالة المواطنة في سوق العمل فستظل جهود التوطين تراوح مكانها دون تحقيق أهدافها. كما أشاروا خلال ورشة العمل التي نظمتها كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم بعنوان «القرارات الكريمة في قطاعي العمل والإسكان الرؤى والآليات» وافتتحها وكيل الجامعة للشؤون التعليمية الأستاذ الدكتور أحمد بن صالح الطامي, أشاروا إلى أن أكبر عائق يقف أمام نجاح جهود السعودة حتى الآن هو عدم تعامل وزارة العمل بشكل مباشر مع مشكلة عدم قدرة العمالة المواطنة على منافسة العمالة الأجنبية متدنية الأجر، ما تسبب في الحد من جدوى تلك الجهود وحول قضية الإحلال إلى معضلة وطنية مستعصية على الحل. ومن ثم فإن الصعوبة التي يجدها صندوق تنمية الموارد البشرية في القيام بمهامه وتحقيق هدف إنشائه تعود إلى أن فكرة إنشائه مبنية أصلاً على تصور غير سليم لحقيقة المشكلة التي تواجهها العمالة المواطنة في سوق العمل بافتراض أن أهم معضلة تواجهها العمالة المواطنة هي كون تأهيل هذه العمالة لا يتوافق مع احتياجات سوق العمل وإلى افتقار العمالة المواطنة إلى الخبرة المطلوبة، إلا أن الواقع يشير إلى أن رغبة القطاع الخاص في توظيف العمالة الأجنبية يعود بشكل رئيس لانخفاض تكاليف توظيفها مقارنة بالعمالة المواطنة وليس فقط لأنها أكثر تأهيلاً أو امتلاكاً للخبرة, مطالبين بتطوير صندوق تنمية الموارد البشرية ليصبح صندوقاً لتدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية إلى القطاع الخاص ليزيد من قدرة العمالة السعودية على المنافسة في سوق العمل نتيجة رفع أجور العمالة المواطنة في القطاع الخاص وتخفيض التكلفة النسبية لتوظيفها على هذا القطاع. كما طالب المشاركون بالورشة ببحث أوضاع سوق العمل السعودية في القطاع الخاص، وإسقاط تطبيقات برنامج نطاقات بآلياته المعلن عنها حتى الآن، من خلال أهمية اعتراف وزارة العمل بالحقيقة المريرة المتمثلة في قضية التلاعب بمعدلات السعودة، وإيجاد معايير أكثر دقة وصرامة لمعدلات السعودة (التوطين)، وذلك باقتراح آلية جديدة لمعالجة هذا الخلل الفادح في آلية تحديد معدلات السعودة (التوطين)، الذي يعتمد في الوقت الراهن على (النسبة الكمية)، ليتحول إلى (النسبة النوعية) وكذلك الحاجة إلى اتباع سياسة تعتمد على ربط عنصر العمل بالاقتصاد الوطني بشكل تدريجي على المدى الطويل ويمكن تطبيقها على المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتوطين الوظائف بنسبة 100% لبعض النشاطات أو الوظائف أو المهن مع فرض حد أدنى للأجور لا يقل عن متوسط دخل المواطن الذي يعول أسرة، ولهذا نحتاج إلى تأسيس وإنشاء كيان قانوني جديد لتنفيذ مثل هذه البرنامج أو المشاريع ويجب أن يتمتع هذا الكيان المقترح بصلاحيات وإمكانيات واستقلال مالي وإداري وليكن اسم هذا الكيان الجديد هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والذي يدرس إنشائه مجلس الشورى حالياً. كما اتفق المشاركون في الجلسة الثانية من الورشة على أهمية تشجيع نشأة مؤسسات تمويلية متخصصة في تمويل بناء المساكن مع التأكيد على ضرورة تفعيل دور وزارة الإسكان, فيما تباينت الآراء بشأن منح الأراضي السكنية, ما بين اتجاه يؤيّد منح الأراضي السكنية بمساحات كبيرة إلى المطورين العقاريين, واتجاه يرى إيقاف منح الأراضي السكنية بمساحات كبيرة إلى المطورين العقاريين وقصرها على المواطنين الذين لم يمنحوا من قبل. وأشار المشاركون إلى إحصائيات تفيد بأن نسبة 65% من المواطنين يقطنون بمساكن بالإيجار, مشددين على أن الشكوك ما زالت قائمة بشأن مدى فاعلية قانون الرهن العقاري في توسيع نطاق ملكية المساكن بالمملكة, مؤكدين أن مساهمة القطاع المصرفي في بناء أو إنشاء المساكن متواضعة مطالبين بعملية تطوير شامل للضواحي والمدن السكنية، هو عمل ليس بالسهل ويحتاج إلى إستراتيجية واضحة، ومن ثم آليات تنفيذية مرنة وغير مقيدة تسمح بالسرعة والجودة في التنفيذ في وقتٍ واحد, منادين بإنشاء هيئة للمناقصات تسمى الهيئة السعودية للمناقصات لضبط تكلفة البناء والمساهمة في توفير مسكن منخفض التكلفة, والسيطرة على تكلفة البناء وتوفير مسكن منخفض التكلفة بإنشاء هيئة للمقاولين السعوديين وتشكيل لجنة عليا لمتابعة المشاريع الحكومية, وبناء مؤشر لأسعار مواد البناء, والاستفادة منها لوضع سياسات واتخاذ قرارات تحقق السيطرة على تكلفة البناء. وطالب المشاركون بفتح أسواق الإسكان السعودية للمقاولين الدوليين ومصانع مواد البناء العالمية (كوريا, الصين, أستراليا, الهند), وإيجاد آلية لتحقيق التوازن بين مستويات ارتفاع أسعار العقار ومستويات الدخل للمواطنين, وكذلك تعزيز إمكانات صندوق التنمية العقاري وتوسيع خدماته للوفاء باحتياجات محدودي الدخل من المساكن، وحث البنوك التجارية على تخصيص جانب من أموالها كقروض لتمويل بناء المساكن في ظل ضمانات محددة للسداد من قبل المنتفعين, وإعادة النظر في السياسات الحالية لتوزيع الأراضي والتأكد من قدرة الأفراد على بناء المسكن, وتشجيع ملاّك الأراضي البيضاء المزودة بخدمات البنية التحتية على سرعة بنائها ومتابعة هذا الأمر, والتأكيد على أن تقوم أمانات المدن والبلديات إنجاز المعاملات والخدمات في وقت قصير دون تعقيد وبيروقراطية مكتبية, والاستفادة من التجارب الأوروبية في مجال الدعم وتقديم الحوافز لتحفيز زيادة العرض من الأراضي، وزيادة الطلب عليها وتفعيل النظم واللوائح الخاصة بذلك, والإسراع في تطبيق نظام الرهن العقاري وإصدار اللوائح التي يراعى في تنفيذها توفير جميع الضمانات لمختلف الأطراف تفاديا لمشاكل الرهن العقاري والتي كانت سبباً في الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في الولاياتالمتحدة وتداعت آثارها على الاقتصاد العالمي برمته. كما طالبوا بإنشاء محاكم خاصة بالإسكان لسرعة البت في النزاعات التي تنشأ جراء البيع والشراء وغيرها من المعاملات التي تخص القطاع السكني, وإصدار أنظمة جديدة للحد من النزاعات بين المؤجر والمستأجر فيما يخص النسبة المئوية السنوية لارتفاع الإيجار, وإعادة النظر في نظام البناء والسماح بتعدد الطوابق في المناطق المختلفة وعدم حصرها في شوارع بعينها؛ وتشجيع التوسع الرأسي عوضاً عن التوسع الأفقي, وكذلك إعادة النظر في أنظمة البلديات والتي تتعلق بتقسيم الأراضي والعمل على تقليل مساحات القطع لزيادة المستفيدين وتقليل تكلفة البناء وتشجيع بناء المنازل المتلاصقة لتوفير المساحات, وتكثيف البحوث والدراسات في مجال المسكن الاقتصادي والذي يلائم البيئة مع تطوير مواصفات محلية للبناء ومراقبة الجودة والنوعية, وتشجيع المؤسسات الخيرية والمنظمات التطوعية على بناء مساكن للطبقة الفقيرة، وهو ما يندرج في الوقت نفسه تحت سياسة محاربة الفقر التي توليها الدولة عناية خاصة, وتوعية وإرشاد ملاّك الأراضي بضرورة محاربة الاحتكار والمضاربة على الأراضي، وترسيخ مفهوم أن الأرض ليست سلعة تجارية ولكنها أصل من الأصول التي يجب أن يحسن استغلالها, وإعادة هيكلة صندوق التنمية العقاري بتحويله إلى بنك للتنمية العقارية كشركة مساهمة سعودية برأس مال ذي أغلبية ملكية حكومية, وإنشاء شركات ومؤسسات تمويل عقاري متخصصة للتمويل العقاري بصفة عامة وقطاع الإسكان، والاستفادة من القدرات المالية لصندوقي المؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية لتقديم شرائح تمويلية تناسب كافة الفئات، وعلى المستوى الفردي أو التجاري، بما في ذلك تمويل أعمال التطوير للأراضي واستصلاحها للبناء السكني, وتشجيع القطاع المصرفي على الدخول في مجال التمويل العقاري بصفة عامة وقطاع الإسكان بصفة خاصة لتمويل أعمال الإنشاء والتعمير لقطاع الإسكان وتمويل تداول الوحدات الإسكانية بما يكفل وجود خريطة تمويلية واسعة تدعم خيارات التمويل الإسكاني, والعمل على إنشاء كيان رسمي بمستوى عال للبنية التحتية, وإنشاء صندوق متخصص لتمويل البنية التحتية تساهم فيه البنوك وصندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية السعودي والمؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات للمشاركة في تمويل متطلبات تطوير البنية التحتية, مطالبين وزارة السكان بإسناد مشروعاتها إلى كيانات عقارية قادرة على امتصاص الطلب الكبير من المساكن في ماطق المملكة كافة، مع ضرورة أن يتم تنفيذ ال500 ألف وحدة سكنية، من خلال عدد كبير من المطورين العقاريين والمقاولين الموزعين على مدن المملكة, من خلال الاستفادة من التجارب الناجحة لكبار مطوري المساكن السعوديين والإقليميين والدوليين وتجارب مشا ريع الإسكان الحكومي الناجحة في الدول الأخرى لتوفير المسكن الميسر لأكبر شريحة من المواطنين وبأقل تكلفة. وكانت ورشة العمل قد افتتحها وكيل جامعة القصيم للشؤون التعليمية الأستاذ الدكتور أحمد الطامي بكلمة نيابة عن معالي مدير الجامعة أكد فيها أن جامعةَ القصيم ماضية في تحقيق رؤيتِها ورسالتِها المتمحورةِ في جزء ٍكبيرٍ منها في الإسهام الفعّال في تحقيق التنميةِ المحليةِ المستدامةِ عبر حَراكِها العلمي والبحثي والاستشاري، مؤكّداً أن الجامعة تشرفُ بأنها وفي ضوء خطتها الإستراتيجية تستجيب للأوامر الملكية الكريمة التي أصدرها خادمُ الحرمين الشريفين حفظه الله تعالى والتي تؤكّد حزمةُ منها على عزم الدولةِ - أيّدها الله - على المسارعة الفاعلة الجادة لتوسيع فرصِ العملِ الملائمةِ للمواطنين في كافة القطاعات، وإيجادِ مسكنٍ ميسرٍ ومناسبٍ يضمن حياة ًكريمةً للمواطنين، وقد تمثل حَراكُ الجامعةِ في تنظيم كلية الاقتصاد والإدارة ورشة عمل بعنوان «القرارات الملكية الكريمة في قطاعي العمل والإسكان: الرؤى والآليات». وأوضح الدكتور الطامي أن هذهِ الورشةَ تهدف إلى مناقشة سبل تفعيل القرارات الملكية الكريمة في قطاعي العمل والإسكان، عبر استشراف آراء نخبة من العلماء والخبراء والمختصين مع التركيز على الأطر العملية التي من شأنها تفعيل تلك القرارات بطريقة تحقق الكفاءة والفعالية وأشار إلى أنهم سوف يتوسعون في الجامعة بعقد اللقاءاتِ والفعالياتِ العلميةِ في مختلف التخصصات في ضوء خطتِنا الإستراتيجية وبما يكرس دورنَا التنمويَ الذي رسمناه لأنفسنا مقدماً شكره لجميع المشاركين والمنظمين لهذه الورشة من العلماء والخبراء والمختصين والمسؤولين من خارج وداخل الجامعة، متمنياً أن تحقق هذه الورشة الأهداف المرجوة وتسهم في خدمة هذه البلاد. أعقبه كلمة عميد كلية الاقتصاد والإدارة بالجامعة الدكتور إبراهيم العمر قال فيها: استشعاراً من كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم لمسؤوليتها تجاه قضايا التنمية، فقد عقدنا هذا اللقاء العلمي استكمالاً لدورها الريادي وسعياً لإيجاد حلول بتوفير فرص عمل حقيقية للمواطنين وإيجاد مسكن ميسر، كمعيار أساسي من معايير تحقيق التنمية الشاملة.