لم يكن الأمريكيون على علم بعملية ستهز اقتصادهم وستصل رمز حضاراتها وفكرها الرأس مالي، في عاصمتها الاقتصادية نيويورك، في استهداف برجي التجارة العالميين. بالذات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والنظام الاشتراكي الشيوعي. أسامة بن لادن الذي ينحدر من أسره كان يعمل والده كمقاول وأسس إمبراطورية في عالم المقاولات تعتبر الأكبر في المنطقة. وأسامة ذلك الابن الهادئ لم يكن مختلفاً عن غيره ولكن نشأته مع أمه وزوجها قد تكون ساهمت في بناء شخصيته. فقد تخرّج من مدارس الفكر النموذجية عام 1976م، والتحق بجامعة الملك عبد العزيز، وفي هذه المرحلة العمرية تأثر بكتابات سيد قطب. أسامة كان يلعب الكرة، ويركب الخيل بشكل جيد، حيث يمتلك في مزرعته الخاصة خيولاً من النوع الجيد. وبعد زواجه الأول كان يسافر إلى بيروت ويتجول في شارع الحمراء - ويشاهد أفلام السينما التي تعرض في ذلك الوقت خصوصاً أفلام (الكاوبوي). في بداية الثمانينيات دخل الاتحاد السوفيتي أفغانستان، فكتب البروفيسور (زيغنو بريجينسكي) مستشار الأمن القومي للرئيس رونالد ريجان تقريراً بالاستعانة بالتيار الديني الإسلامي لوقف المد الاشتراكي، العدو اللدود للرأس مالية الأمريكية. أُعلن الجهاد الإسلامي في المنطقة، وبدأ شباب الأمة يشمّر عن ساعديه نابذين الحياة مقبلين على الجهاد في سبيل الله لمحاربة الفكر الملحد، وكان من بين هؤلاء رجل الأعمال أسامة بن لادن. استقبله الشيخ عبد الله عزام الزعيم الروحي للمقاتلين العرب، وأسس معه مكتب الخدمات للمجاهدين العرب، وكانت هذه نقطة البداية الفعلية لأفكار بن لادن عام 1984م، إلى أن تطورت الفكرة حتى طلب من الشيخ عزام أن يكون المقاتلين العرب في الصفوف الأمامية في المعارك مع العدو. وفعلاً تحقق ذلك. الرئيس نيكسون حين قرّر سحب قواته من فيتنام لم يكن قرار انسحاب عادي، بل كان إعلان هزيمة تكبدها الجيش الأمريكي وانتصار للاتحاد السوفيتي في تلك المنطقة من العالم. وهذه الهزيمة جعلت من صانعي القرار الأمريكي ومراكز البحوث والساسة الأمريكيين يفكرون في سياسة جديدة في الحروب وهي الاستعانة بالحلفاء في حالة الحروب. الحكومة الأمريكية والحكومة الباكستانية تعاونتا بشكل كبير في تلك الحرب، فقد أنشأتا مراكز قيادات مشتركة بين الحكومتين، لرصد تحركات الاتحاد السوفيتي. وتزويد المجاهدين الأفغان بسلاح (ستنجر -stinger) المضاد للطائرات، حيث كبدوا سلاح الطيران السوفيتي خسائر فادحة بحكم طبيعة أفغانستان الجغرافية ووعورة جبالها، وانتصر المجاهدون في معركة (جلال أباد) التاريخية 1989م. دخل صدام حسين الكويت عام 1990م بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، واهتز العالم بفعلة صدام، وأعلنت (بونازير بوتو) رئيسة الحكومة الباكستانية في ذلك الوقت بطرد (العرب - الأفغان) وكانت المرة الأولى التي ينعتون بهذا اللقب رسمياً، ما يعني عودوا إلى دياركم. قرر بن لادن أن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي العدو ويجب محاربتها، وبدأ يتحرك بناءً على ذلك، ذهب إلى السودان كمستثمر، حيث عاد إلى جذوره كمقاول واستقبلته الحكومة السودانية استقبالاً حافلاً بعد سحب الجنسية السعودية منه. في ذلك الوقت أسس مكتب النصيحة والإصلاح مقره لندن. وأصبحت أمريكا قريبة منه في الصومال، ونفذ أعوانه في عمليتهم الشهيرة، بما فيها محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك. بدأت أمريكا تضغط على حكومة السودان لطرد بن لادن. عاد بن لادن إلى أفغانستان واستقبلته طالبان، وأعلن عام 1998م الحرب على الغرب، وكان على يمينه الطبيب المتشدد أيمن الظواهري الذي لم يشارك في حرب أفغانستان. استثمر الأمريكيون الموقف وأصبح بن لادن العدو الأول لها والمطلوب بجائزة 25 مليون دولار أمريكي للذي يخبر عنه. حين وصل بوش (جونير) لسدة الحكم مع زمرة المحافظين الجديد، الذين تسرّبت أفكارهم عبر تقرير عالي السرية في وزارة الدفاع الأمريكية عام 1992م والذي أعده السيد وولفوفيتس الذي كان نائباً لوزير الدفاع ديك شيني. والذي يشرح فيه خطة للتفوق العسكري الأمريكي والهيمنة على العالم. فقد بدأ بقوله (هدفنا الأول هو الحيلولة دون تكرار ظهور منافس جديد، وعلى حدود الاتحاد السوفيتي السابق أو في مناطق أخرى، يمكن أن يشكل تهديداً للنظام كالذي كان يشكله سابقاً الاتحاد السوفيتي) وهذه المهمة (تتطلب أن نسعى إلى منع أية قوة معادية من الهيمنة على منطقة تكون مواردها، في ظل حكم قوي، كافية لتشكيل قوة عالمية). بعد الصراعات الداخلية في أفغانستان بين أحمد شاه مسعود وزعيم طالبان الملا محمد عمر، استغل بن لادن الموقف لكي تحتضنه طالبان بعد أن أقصيت من الحكم الأفغاني، ونفذ عملية اغتيال أحمد شاه مسعود 10 سبتمبر والتي تمت بعدها أحداث الحادي عشر من سبتمبر. اهتزت أمريكا واهتز العالم معها بهذا الحدث التاريخي، وتحرك بوش وزمرته بعد إعلانهم عن مشروعهم ونفذوا مشروعهم من خلال نظرية (الحرب على الإرهاب) التي أطلقها بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ثماني سنوات عاشها العالم رازحاً تحت عهد بوش، وأكثر المتضررين كانت فلسطينالمحتلة، فقد استغلتها الحكومة الإسرائيلية أبشع الاستغلال، وحوصرت غزة وتم تدميرها إلى آخر يوم من عهد بوش، حيث كانت الطائرات تقصف الأبرياء العزّل في غزة ليلاً ونهاراً. حتى تحرك الأمريكيون والعقلاء منهم فأرادوا أن يحافظوا على إنجازات أمتهم للبشرية وأنهم أرض الحريات والأحلام كما يزعمون وأقنعوا السيناتور باراك حسين أوباما الأسود لترشيح نفسه للرئاسة. لتدخل أمريكا التاريخ من خلال تنصيب أوباما رئيساً للبلاد. بدأ الرئيس باراك أوباما بتخفيف الاحتقان الذي سببه سلفه بوش وأولها كره أمريكا وتحديداً في العالم الإسلامي، حتى ذهب إليهم وأعلن خطابه التاريخي التصالحي مع العالم الإسلامي من مدينة المعز لدين الله - القاهرة-.كما قام بإسقاط مصطلح (الحرب على الإرهاب)، حيث تم إلغاء المصطلح نهائياً وعدم ذكره في الخطابات الرسمية، وغيرها من الاصلاحات الداخلية بعد الأزمة المالية العالمية التي حدثت في أواخر عهد بوش. دخل أوباما التاريخ مرة أخرى بعد إعلانه عن قتل بن لادن في عملية سرية دبرها سلاح (سيلز SEALS) التابع للقوات البحرية الأمريكية. والتي تزامنت مع بداية حملته الانتخابية لترشيح نفسه للمرة الثانية. وفرح الأمريكيون واعتبروه انتصاراً مما أدى إلى ازدياد شعبية أوباما ليتأكد أنه الرئيس القادم للمرة الثانية وأعطى منافسه الجمهوري (دونالد ترامب)، الصفعة من خلال بن لادن مرة أخرى. آخر المقال، يبقى بن لادن شخصية مثيرة للجدل في حياته وفي مماته، فلقد حقق لأصحاب الفكر الصهيوني المتطرف أهدافاً لم يكونوا يحلمون بها من خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجعل من نفسه مطية أمريكية - صهيونية على الصعيد الداخلي والخارجي، بعد أن قدَّم لهم أعظم الخدمات لاختراق الدول الإسلامية من خلال نظرية الحرب على الإرهاب. حفظ الله بلاد المسلمين، وأدام عليهم الأمن والأمان، ووقانا الله شرَّ الفتن والقلاقل. [email protected]