في الأربعينيات الميلادية ظهرت أوائل كتب مساعدة الذات في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكان من أوائل من ألّف في هذا الباب الكاتب دايل كارنيغي، ومن كتبه المشهورة «كيف تكسب الأصدقاء»، و»دع القلق وابدأ الحياة»، والذي انتشر في العالم العربي والإسلامي بشكل كبير وبلغ تأثيره حداً مرتفعاً جداً مما أوجد كتباً مشابهة كتبت بأقلام عربية وإسلامية اشتهرت في ذات السياق، وقد تُرجم كتاب كارنيغي ذاك إلى عدة لغات، وتأثر به مجموعة كبيرة من الكتّاب العرب والمسلمين وانتشرت كتب بعده مستوحاة من الفكر الغربي في تطوير الذات ولكن بقالب إسلامي مثل كتاب «جدد حياتك» للشيخ محمد الغزالي وكتاب «لا تحزن» للداعية الدكتور عائض القرني، وكتاب «استمتع بحياتك» للشيخ محمد العريفي، وغيرها الكثير ممن تحمله رفوف المكتبات العربية بشكل يتكاثر بطريقة مذهلة، وكارنيجي توفي سنة 1955م متأثراً بسرطان الدم وليس منتحراً كما يشيعه بعض ممن لا تعجبهم كتبه من المتشددين، ورغم رحيله عنا مازال تأثير كتبه وأساليبه التحفيزية حتى أيامنا هذه يظهر بشكل أو بآخر عبر مئات الكتب العالمية وعبر العديد من الدورات التدريبية والتي تركز على تطوير الذات والقدرات الخارقة أحياناً، هذه النوعية من الأفكار تتكاثر بطريقة سرطانية تخيلوا في عام 2003م تؤكد الأرقام أنه فقط صدر ما بين 3500 و4000 كتاب من كتب مساعدة الذات، أيّ أكثر من عشرة كتب يوميًّا، بحسب ما نشر في مجلة المعرفة في عددها 143. وهي بلا شك استطاعت أن تستولي على عقول الكثير من القرّاء نظرًا لعناوينها المثيرة والمباشرة أحيانًا؛ فهي تعتمد أسلوب الضخ المباشر للفكرة.. تخيلوا عناوين من نوع تخلص من خوف الطيران، كيف تقرأ كتاب من 600 صفحة في 3 ساعات، اكتب سيرتك الذاتية واترك الوظيفة علينا والأخير هذا من وحي خيالي فلا يستطيع أن يميز القارئ بين الخيال والواقع في هذه الموجة التي ركبها الجميع طالماً أن المسألة تتألق في سقف الأكثر مبيعاً ودورات يحضرها أكثر من 500 متدرب.. فالمسألة تبدو لي واضحة تماماً، فنحن أمام سوق رائجة لا تقبل أنصاف الحلول الربحية، فالدكتور نورمان فينسنت بيل على سبيل المثال أصدر كتابه الشهير «قوة التفكير الإيجابي» في سنة 1952م، والذي ترجم إلى أكثر من 46 لغة، وبيع منه أكثر من 20 مليون نسخة. وهذا رقم بلا شك يسيل له لعاب أكثر المؤلفين تفاؤلاً مما يقودنا للقول إن هذه الكتب أصبحت ظاهرة ثقافيلا يمكن إنكارها، وأصبحت تحتل المكان الأبرز في المكتبات، ويتصدر العديد منها قوائم الكتب الأكثر مبيعًا. ومن هنا ظهر بعض المؤلفين بفكرة جديدة وهي ربط كتابة ببرنامج تدريبي خاص، فالعصفوران يمكن أن يضربا بحجر واحد على رأي المثل العربي، وبالطبع أنا لا أنكر أن التأليف المتزايد يعد حالة صحية مهما كان، كذلك لا نتجاهل دور الدورات التدريبية في رفع مستوى الأداء المهني والاجتماعي والاقتصادي وفي كافة المجالات ولكن ما يحدث حالياً في السوق التدريبية والتأليفية العربية شيء بعيد عن الواقع المثالي الذي تنشده المجتمعات المتحضرة.. فالمسألة أصبحت تجارية بحته ولعب على الذقون كما يقال، عشرات العناوين الرنانة التي تدغدغ مشاعر العاطلين والعاطلات من المنتظرين في قوائم التوظيف، والمدربين والمدربات يحاولان السيطرة على المستفيدين بشتى الطرق والوسائل التقنية المشروعة وأحياناً غير المشروعة، وعشرات الرسائل النصية تنهمر دون استئذات إلى جوالاتنا تدعونا للالتحاق بدورات مضمونة النتائج، ومواقع الإنترنت حبلى بعشرات المواقع التي تقدم لك الحياة على طبق من ذهب، لا قلق لا مشاكل وظيفة مضمونة نجاح ينتظرك وفي هذا الجو المشحون برائحة الورق النقدي تزايد عدد المدربين والمدربات في بلادنا ولا أبالغ إذا قلت إن بلدنا أصبح بلد المليون مدرب!. ويبقى السؤال أين دور الوزارات المعنية في مراقبة ما يطرح؟.. بصراحة حضرنا العديد من هذه الدورات ولا أخجل من القول إن ما يقدم في معظمها شيء نظري وسطحي لا يختلف كثيراً عن أحلام اليقظة، يجب أن يكون هناك دور رقابي فاعل على هذه الدورات، وكذلك المؤلفات في مجال القدرات وتطوير الذات والتي بات أكثرها يكتب بطريقة القص واللصق في تشابه غريب بين الكتب لا نقتنع معه بفكرة وقع الحافر على الحافر أو توارد الخواطر، انتشرت ظاهرة السرقات الأدبية لأن الجميع ببساطة يبحثون عن الكتب الأكثر مبيعاً، والدورات الأكثر حضوراً دون أن يكون ثمة مردود على المتدرب أو القارئ الأكثر تعاسةً في مجتمع يقدر ثمنه ويتجاهل قيمته. [email protected]