صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية يفخر كثيرٌ من الكتاب بما تحققه كتبهم من مبيعات، ويفاخر البعض بنفاد طبعات كتابه، ويعتقد كثيرون أن هذا دليل على تميز الكتاب، ولهذا يحرص بعض المؤلفين والناشرين على وضع عبارة ""أكثر الكتب مبيعاً"" على أغلفة بعض الكتب، كعلامة على تميزها. قد يكون هذا الأمر مقبولا حينما كان القارئ هو الحكم الأول والأخير على جودة الكتاب، أما الآن وبعد أن أصبح الكتاب سلعة، وأصبحت وسائل الاتصال هي المروج الأول، وصانعة توجهات الرأي العام، والقادرة على الترويج لأي سلعة مهما كانت سيئة، فإن الجودة أو التميز لا علاقة لها بالانتشار، ولا بالإقبال الجماهيري، سواء أكان هذا المنتج كتاباً، أو برنامجاً تلفزيونيا، أو سلعة استهلاكية، فالإعلام قادر على الترويج لأية سلعة مهما كانت متواضعة، ولأي كتاب مهما كان فارغ المحتوى، بل وحتى لو كانت صفحاته بيضاء خالية من أي محتوى، طالما وجد في هذا الكتاب ما يجذب القارئ، حتى لو كان الجاذب الوحيد هو العنوان فحسب. مصداق هذا القول ما نشرته صحيفة ""الديلي ميل"" البريطانية، ونقلته عدة صحف عربية، من أن كتاباً جميع صفحاته فارغة تماماً، وتخلو من أية كلمة، أو صورة، أو حتى إشارة رمزية، وجد طريقه إلى قائمة الكتب الأفضل مبيعاً في بريطانيا والولايات المتحدة، وسبب الإقبال على هذا الكتاب يعود إلى عنوانه، حيث اختار له مؤلفه البروفيسور شريدان سيموف عنوان (الأمور التي تشغل تفكير كل رجل إلى جانب التفكير بالجنس)، وعلى غلاف الكتاب الخارجي الفاخر، يزعم المؤلف أن المحتوى سيكشف عن كل الأمور التي تدور في ذهن كل رجل إلى جانب انشغاله بالتفكير في ممارسة العلاقة الحميمة، ثم يفاجأ القارئ بأن صفحات الكتاب فارغة تماماً، لتصل رسالة المؤلف بأن تفكير الرجل محصور بهذه العلاقة، وليس هناك شيء آخر يفكر به. هذا الربط الذي لا يخلو من السخرية بين العنوان ومحتوى الكتاب جعل مبيعات الكتاب تتفوق على كتب مشهورة، من بينها الجزء الأخير من رواية ""هاري بوتر"" ورواية ""شيفرة دافنشي"". أما السبب في ارتفاع مبيعات الكتاب الذي يباع بسعر 4.7 جنيه استرليني، فهو أن هذا الكتاب ذا الصفحات البيضاء أصبح محل اهتمام المراهقين وطلاب الجامعات الذين يقتنونه كتذكار، أو لتدوين محاضراتهم على صفحاته. مؤلف الكتاب لم يكن يتوقع هذا النجاح الكبير لكتابه حيث قال: ""عندما قررت أن أنشره، لم أتخيل مطلقاً أن مبيعاته ستتفوق على مبيعات هاري بوتر""، وأضاف مازحا: ""أستطيع أن أؤكد أن محتوى الكتاب هو ثمرة لأبحاث متعمقة أجريتها على مدى أكثر من 20 عاما من الخبرة الحياتية التي جعلتني أدرك أن الجنس هو الشيء الأهم الذي يشغل تفكير كل رجل"". أمر آخر، طفلة أمريكية اسمها ريبيكا بلاك (13 عاما) نشرت أغنية على موقع ""يوتيوب""، ووصفت أغنيتها بأنها أسوأ أغنية في التاريخ، ورغم ذلك بلغ عدد من شاهدها أكثر من 60 مليون شخص. ما حققه الكتاب الفارغ من مبيعات، وما حققته الأغنية السيئة من مشاهدة، يدل على أن الناس أصبحت تهرب من كل عمل جاد، وتبحث عن كل غريب وشاذ، حتى لو كان كتابا فارغاً من أي محتوى.