لا يختلف اثنان، ولا يشك منصف، في أن نظام ساهر قد حدَّ من حوادث السيارات وأخطارها، التي ضربنا فيها أرقاماً قياسية، أقضّت مضاجع المسؤولين عن سلامة المرور، ومضاجع المواطنين على حد سواء، وألحت على المصلحين لدراسة المشكلة، والاجتهاد في البحث عن حل جذري لها، فكان نظام ساهر -النظام العالمي- من أجدى وأنجع الحلول المطروحة، وكانت نتائجه إيجابية بكل المقاييس، وقد أكدتها وصدّقتها لغة الأرقام التي لا يتطرّق إليها الشك، المعلنة في وسائل الإعلام وعند إشارات المرور، وفي الإحصائيات والبيانات التي تصدرها المؤسسات ذات العلاقة، ويرى نتائجها الإيجابية على طرقنا وفي شوارعنا ويتحدث بها كل منصف تقلقه إحصائيات الحوادث الذي كان لنظام ساهر أثر ملموس في الحد منها. إذا وضعنا هذه الإيجابيات في إحدى كفّتي ميزان الحكم على هذا النظام، بعد تجربته وتصوره، فلن ندعي أن الكفة الأخرى خالية من السلبيات، بل هي عند البعض أثقل من كفة الإيجابيات، وقد تتساوى معها، أو تكون أخف منها، حسب اختلاف وجهات النظر التي طرحها أصحابها في وسائل الإعلام، ولا سيما الصحافة. وعلى كل حال: فإن النظام قد أصاب الهدف من إقراره والعمل به، وهو اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب، لذا فإن تطبيقه لم يخل من السلبيات التي سالت بها أقلام الكتاب، وشهدت بها ألسنة المتحدثين، ولكن الذي يبدو أن القائمين على النظام، لم يقتنعوا بوجهات نظر هؤلاء جميعاً اقتناعاً يضع أيديهم على الحلول المناسبة التي تجمع بين تحقيق هدف النظام المرجو منه والرفق بالمخالفين رفقاً لا يخلّ بوظيفة النظام، علماً بأن هذه الحلول والاقتراحات قد طرحت في جميع وسائل الإعلام، ومن كتّاب لا يشك أحد في حرصهم على المصلحة العامة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: 1- دراسة وجهات النظر التي طرحت في جميع وسائل الإعلام دراسة مستفيضة ودقيقة ومتأنية وحيادية، يشترك فيها مع المرور وممثلي الشركة بعض أصحاب الحلول المطروحة المناسبة، ووجهات النظر السليمة، على أن يسبق هذه الدراسة استبانات واقتراحات من عينات عشوائية أو مختارة من سكان المحافظات والمدن التي يطبق فيها النظام مدعومة بالإحصائيات الدقيقة والنتائج الإيجابية أو السلبية في جو حواري هادف لا يلتفت عن المصلحة العامة يميناً أو شمالاً. 2- أن يلقي هؤلاء نظرة فاحصة وخاصة ومستقصية، بل شمولية إلى اقتراح الأستاذ سعد الدوسري في زاويته «باتجاه الأبيض» الذي نشره يوم الخميس 20-12-1432ه في العدد 14293 من جريدة الجزيرة الغراء، واقتراح غيره من الكتّاب، وذلك بالاكتفاء بالكاميرات الثابتة لمرصد السرعة والاستغناء عن الكاميرات المتنقلة داخل السيارات لأسباب لا تخفى على رجال المرور، ولا عن المسؤولين عن النظام، والتي أقلها أنها قد تزرع الحقد في بعض القلوب المريضة، التي تقف كثرة المخالفات وثقل تسديدها سدا منيعا يحول بينهم وبين رؤية أبعاد النظام وإيجابياته والوقوف بجانبه. علماً بأن ترصد هذه السيارات للمخالفين، وما يصدر من التعليمات في هذا الشأن من المرور أو غيره من مؤسسات الدولة، لا يبرر بأي وجه من الوجوه، بعض المواقف السلبية التي يقدم عليها أصحاب النفوس الضعيفة، فلهذه السيارات حصانتها، وللعاملين عليها المودة والاحترام والتعاون وحسن الظن من جميع المواطنين المقيمين، لأنهم يؤدون واجبهم على ثغر من ثغور الأمن، في نظام اتضحت إيجابياته وضوح شمس صحرائنا في رابعة نهارنا. ولكن، ولكي تشفى بعض هذه النفوس من هذه الأمراض، وهو مطلب نسعى إليه جميعاً، فإن على المسؤولين في المرور وفي نظام ساهر، وعلى المفكرين والدعاة والكتاب وغيرهم من المصلحين أن يضاعفوا حملات التوعية ويكثفوها في كل مجالاتها، وفي جميع وسائل الإعلام، وفي قاعات الدروس والمحاضرات في المدارس الثانوية والجامعات، لأن مثل هذا التصرف مع ندرته غالباً ما يصاحب طيش الشباب وعنفوانه وقوته «الشباب قوة خلت من المعرفة والمشيب معرفة خلت من القوة». 3- ومع هذه التوعية فلا بد من اللوحات الإرشادية التي تفيد وجود كاميرة مراقبة أمام قائد المركبة، كاللوحات الإرشادية التي وضعها المرور على طريق مطار الملك خالد الدولي بالرياض وعلى الطرقات العامة، ليحقق مقصده من تربية قائدي المركبات على النظام والحد من سرعتهم، بمنهج حضاري إيجابي بعيد عن الترصد أو الرغبة في جباية الغرامات. 4- دراسة الغرامات المرورية وطريقة تسديدها، والمقارنة بينها وبين غرامات الأنظمة المماثلة، ومراعاة الأحوال الاقتصادية لمحدودي الدخل من المواطنين، الذين أثقلت كاهلهم هذه الغرامات مع ضروريات حياتهم التي تعددت وتنوعت حتى استجاروا من الرمضاء بالنار، فحثوا خطاهم يركضون وراء سراب شركات التقسيط وقروض البنوك والمؤسسات المالية، مع أننا في دولة -ولله الحمد- من أبرز صفات ولي أمرها حفظه الله ووفقه، وسمو ولي عهده -سدد الله خطاه- وأعضاء حكومتهما الرشيدة، الرأفة والرحمة وتلمس احتياجات المواطنين ومساعدتهم، والأوامر الملكية الكريمة التي انهالت علينا في هذا العهد الميمون، تشهد لذلك وتصدقه، فهل يخرج نظام ساهر عن هذا المنهج الوفي المتحلي بلباس الرحمة وتاج المودة والمحبة والإخلاص؟! أم يسير تحت ظلاله الوارف فيخفف تلك الغرامات، وبروق الأمل المتلاحقة تنير الطريق للوصول إلى رغبات المواطنين وطموحاتهم وإلحاحهم لتخفيف تلك الغرامات الباهظة. 5- طريقة تحصيل الغرامات: أعتقد، بل أجزم أن القائمين على النظام قد حاولوا أن يعثروا على الطريقة المثلى لتسديد الغرامات على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» ولكن، ليسمحوا لي أنهم - من وجهة نظري - لم يوفقوا لذلك، ولا سيما إذا تراكمت هذه الغرامات، وهو احتمال وارد لرب أسرة ينصرف إلى عمله كل يوم، وينصرف أولاده إلى مدارسهم البعيدة عن سكنهم، ثم إن الحمل الثقيل، بل قاصمة الظهر مضاعفة الغرامات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فعلى المواطن والمقيم مهما كانت ظروفهما «أن يقضي أو أن يربو» فتزيد الغرامات أضعافاً مضاعفة، حتى يعجز المواطن عن أدائها، فتبدأ المشاكل بين الطرفين وهما في غنى عن ذلك كله. لذا فإن النظام مطالب بأن يبحث عن حل يخفف وطأة هذا التسديد عن كاهل المواطنين، كما يجب أن يبلغ النظام بالغرامة في نفس اليوم الذي تقع فيه، كشركة المياه مثلاً، والهاتف والكهرباء وغيرهما، كما يبلغ بزمانها ومكانها حتى يقتنع المخالف أو يطالب بحقه، ومن يغرم تسعمائة ريال أو حتى ثلاثمائة ريال لا يُبخل عليه برسالة كاملة شاملة لجميع المعلومات عن الغرامة. هذا هو القول الظاهر لي في نظام ساهر، استخلصته من واقعه وواقع المواطنين ووجهات نظر المفكرين والمصلحين منهم، تحمله آمال المواطنين وطموحاتهم ورجاؤهم إلى كل مسؤول عن هذا النظام، علّه يحقق هذه الآمال ويستجيب لهذا الرجاء.