تعيش الدولة السعودية الثالثة في الوقت الراهن في زمن ثلاثة أجيال، الأول هو جيل أبناء المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله -، والثاني هو جيل الأحفاد، والثالث هو جيل أحفاد الأحفاد. هؤلاء عقدوا العزم على أن يستمروا على فكر وخطى المؤسس - رحمه الله - في حرصه على المحافظة على ثوابت الدولة، والعمل على الارتقاء بمستوى الإنسان السعودي علماً وعملاً، وتطوير مقدرات الدولة، وإبراز مكانتها بين الدول، وتحقيق الاحترام الدولي لها في مختلف الأحوال. والذي يشكك في هذا التوجه ما هو إلا واحد من اثنين: إما جاهلاً مسكيناً أو متجاهلاً سقيماً. لقد استبشر السعوديون بحزمة من القرارات الملكية التي تجعلهم يُسكتون كل من تسول له نفسه، ويزين له فكره وقلمه بأن يشكك في بيت الحكم السعودي بعد رحيل أمير العطاء سمو الأمير سلطان -رحمه الله -، والتي كشفت عن تدوير حقائب وزارية بين جيل الأبناء وجيل الأحفاد. وقد تناولتُ عدداً من جيل الأبناء في مقالتي السابقة «الرياض مدرسة للقيادة السعودية» المنشورة في عدد جريدة الجزيرة الصادر يوم الثلاثاء 12 ذي الحجة 1432ه، الموافق 8 نوفمبر 2011م، وفي هذه المقالة أتناول عدداً من جيل الأحفاد الذين أخذوا من فكر ومنهج القيادة السعودية، وشملتهم الأوامر الملكية الأخيرة، وهم: * الأول: صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعد، نائب أمير منطقة الرياض، هو الابن الثالث للأمير سعد بن عبد العزيز - رحمه الله -. عُيِّن نائباً لأمير منطقة القصيم عندما كان صاحب السمو الملكي الأمير عبدالإله أميراً لها، ثم عُيِّن مستشاراً لوزير الداخلية، وفي عام 1432ه الموافق 2011م عُيِّن نائباً لأمير منطقة الرياض. وقد عُرف عنه حبه تأدية العمل على أكمل وجه ودون تأخير، والابتعاد عن المركزية، كما عُرف عنه تقبله الأفكار والآراء، وأيضاً عُرف عنه البساطة والتلقائية في التعامل والقرب من المجتمع المحلي؛ إذ كان يقوم بزيارات للعائلات السعودية في مناسباتها السارة وغير السارة، كما عُرف عنه أنه صاحب زيارات مفاجئة في محافظات ومراكز منطقة القصيم، وعُرف عنه خبرته الأمنية التي اكتسبها من عمله مستشاراً لسمو وزير الداخلية. * الثاني: صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان، نائب وزير الدفاع، هو الابن الأكبر لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله -. وُلد عام 1396ه، الموافق 1949م، وتخرج في أكاديمية «ساندهيرست» العسكرية في بريطانيا، وحصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان من «فورت ليفنوورث» بالولايات المتحدةالأمريكية، ولديه العديد من الدورات في مجال الدفاع الجوي، وتولى مناصب عدة في «وزارة الدفاع والطيران»، ويعد من خبراء العالم في مجال الدفاع الجوي؛ إذ تولى مواقع فيه كقائد سرية دفاع جوي، وضابط تدريب ومساعد ركن ضابط عمليات الدفاع الجوي، ومدير إدارة مشاريع الدفاع الجوي، ومساعد قائد قوات الدفاع الجوي، ثم نائب للدفاع الجوي، وقائد الدفاع الجوي، وقائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب تحرير الكويت، ومساعد وزير الدفاع، والمشرف العام على مسرح العمليات في عملية تطهير الحدود الجنوبية من المتسللين. تدرج في العمل العسكري حتى وصل إلى رتبة فريق أول. وفي عام 1991م أُحيل للتقاعد بناء على طلبه. وفي عام 2001م عُيّن مساعداً لوزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية، وعُيّن نائباً لوزير الدفاع في عام 1432ه الموافق 2011م. نال العديد من الأوسمة التقديرية، وله عضوية في جمعيات دولية، وكرسي بحث باسمه في جامعة الملك سعود، وعُرف عنه حبه للسباحة، والصيد البري، والعناية بالجواد العربي الأصيل، كما أن له مؤلفات متوافرة في المكتبات، ويملك جريدة الحياة اللندنية. * الثالث: صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف، رئيس ديوان سمو ولي العهد المستشار الخاص لسموه، هو الابن الأكبر لسمو الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية - حفظه الله -. ولد عام 1375ه، الموافق 1956م، وتلقى تعليمه العام في معهد العاصمة النموذجي بالرياض، وحاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة «بورتلاند» بولاية «أوريجان» بالولايات المتحدةالأمريكية عام 1398ه الموافق 1978م، واختير عام 1405ه الموافق 1985م رئيساً للجنة التنفيذية لشركة تهامة للإعلان والعلاقات العامة والتسويق. وفي عام 1406ه، الموافق 1986م، عُيّن نائباً للرئيس العام لرعاية الشباب، ثم شغل وظيفة نائب لأمير المنطقة الشرقية عام 1412ه، الموافق 1992م، وسفير المملكة في إسبانيا بمرتبة وزير عام 1425ه الموافق 2005م، وعُيّن مستشاراً للنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء مساعداً لوزير الداخلية للشؤون العامة عام 1431ه الموافق 2010م، ورئيساً لديوان سمو ولي العهد ومستشاره الخاص عام 1432ه، الموافق 2011م. وبهذا تكون خبرة سموه قد جمعت بين العمل الدبلوماسي والعمل الأمني. * الرابع: صاحب السمو الأمير فهد بن عبد الله بن محمد آل سعود، رئيس هيئة الطيران المدني، هو الابن الأكبر لصاحب السمو الأمير عبد الله بن محمد بن سعود الكبير - رحمه الله -، وخاله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، وشقيقاه هما صاحب السمو الأمير بندر وصاحب السمو الأمير تركي. كان يشغل وظيفة مساعد وزير الدفاع والطيران لشؤون الطيران المدني نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني قبل صدور الأمر الملكي القاضي بتعيينه رئيساً لهيئة الطيران المدني. له العديد من التصريحات التي تظهر حزمه وحرصه على تقديم أفضل الخدمات للمسافرين، فمثلاً صرح بعد تعيينه بأن قطاع الطيران عامة سيشهد العديد من الخطوات التي تستهدف الارتقاء بخدمات الطيران وتطوير المطارات السعودية. هؤلاء بعض من مخرجات مدرسة القيادة السعودية منذ زمن المؤسس - رحمه الله - حتى الوقت الراهن من أصحاب السمو الأمراء الذين شملتهم الأوامر الملكية؛ فهم امتداد لجيل كبير لا في سِنّه وإنما في مبادئه وقيمه، وحكمته في إدارة الدولة، ووضوح رؤية المستقبل لديه.. فمن يغرس ورداً يجني ورداً. وهؤلاء رجال السعودية الحديثة الذين لديهم اطلاع جيد بخبرات وتجارب الأمم الأخرى؛ فقد درسوا علوماً مختلفة، وتلقوا دورات تدريبية متقدمة في مجتمعات ذات صيت علمي وتقني متميزَيْن كبريطانيا والولايات المتحدة، وعادوا لمواصلة مسيرة البناء والتطوير للدولة؛ لينعم الإنسان السعودي والمقيم في نهاره وليله، وفي حله وترحاله، بالأمن والاستقرار اللذين يفتقدهما كثير من شعوب دول الجوار، وينشغل بما يحقق له ولأسرته مقومات الحياة الكريمة. هؤلاء رجال الدولة الذين تربوا على رؤية الكبار وهم يعطون الأعمال الإنسانية جزءاً كبيراً من أموالهم وجهدهم ووقتهم، فنما حب الخير في قلوبهم. وباختصار، هؤلاء رجال الدولة الذين جمعوا العلم والخلق والخبرة، وأجادوا حقيقة أن التعامل مع الغير واجب ديني وإنساني. جامعة الملك سعود