لا يمكن الحديث عن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز بوصفه وزيراً للداخلية وحسب، نعم كان وما زال وزيراً للداخلية، لكنه بالمعايير القيادية والإستراتيجية ليس وزيراً عادياً، بل قائد يمتد فكره ويتغلغل في كل مفاصل العمل القيادي، فالفارق بين سموه وأي وزير داخلية آخر في أي دولة أخرى أنه صاحب رؤية أمنية تنطلق من بُعد إستراتيجي يؤمن بأن الأمن منظومة متكاملة مرتبطة بكل شؤون الحكم وليس فقط بمهام وزارية محددة ومحدودة، ومن أبرز الشواهد على ذلك أن سموه يعتبر الاستقرار الأمني لابد أن يقوم على معايير السلام الاجتماعي، وأن التنمية البشرية هي حجر الزاوية في بناء مجتمع متصالح مع نفسه ومع حكومته، ومن هنا كانت (قضية البطالة) من أهم القضايا التي شغلت سموه على مدى أربعة عقود من الزمن، فقد أيقن منذ فترة مبكرة بأن (البطالة) قد تكون قنبلة لها أبعادها الأمنية الخطيرة، فتبنى (إستراتيجية السعودة) بهدف توطين الوظائف والقضاء على البطالة وفق رؤية تنموية ثاقبة وذلك من خلال دوره الفاعل في تأسيس (صندوق تنمية الموارد البشرية)، فقد يرى بعضهم أن موضوع التنمية البشرية أو التوظيف أو البطالة كلها موضوعات بعيدة عن حقيبة وزارة الداخلية، لكن سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز جعلها مصدر اختلافه وتميزه عن أي وزير داخلية في العالم، حيث وضع هذه الملفات على مكتبه ودرس أبعادها وابتكر لها الحلول العملية المناسبة، واستطاع بهذه الرؤية المستقبلية الدقيقة أن يخلد تجربته القيادية ويكتبها بحروف ناصعة في صفحات التاريخ من خلال جهوده في تعزيز الأمن وضمان الاستقرار واقتلاع الإرهاب من جذوره وتجفيف منابع أي خطر محتمل يمكن أن يمس الأمن الوطني للمملكة على اتساع خريطتها الشاسعة، فقد ظلت قضية توطين الوظائف في القطاع الخاص ووضع الحلول المناسبة لمحاربة البطالة والقضاء عليها هدفاً إستراتيجياً للمنظومة الأمنية الوطنية، وقد جاء تأسيس صندوق تنمية الموارد البشرية «هدفا» لهذا الغرض الوطني النبيل، بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (107) بتاريخ 29/4/1421ه والمرسوم الملكي الكريم رقم (م/18) بتاريخ 5/5/1421ه بشخصيته الاعتبارية المستقلة إدارياً ومالياً، نتيجة رؤية واضحة لهدف سعودي إستراتيجي يشكل الوصول إليه تحدياً غير مسبوق، حيث يهدف هذا الصندوق إلى دعم جهود تأهيل القوى العاملة الوطنية وتوظيفها في القطاع الخاص، وذلك من خلال تقديم الإعاناتمن أجل تأهيل القوى العاملة الوطنية وتدريبها وتوظيفها في القطاع الخاص، والمشاركة في تكاليف تأهيل القوى العاملة الوطنية وتدريبها على وظائف القطاع الخاص ويحدد مجلس إدارة الصندوق نسبة هذه المشاركة وتدفع النسبة المتبقية من قِبل صاحب العمل المستفيد من تأهيل المتدرب، وكذلك تحمل نسبة من راتب من يتم توظيفه في منشآت القطاع الخاص بعد تأهيله وتدريبه، وكذلك من يتم توظيفه في هذه المنشآت بالتنسيق مع الصندوق ويدفع صاحب العمل النسبة المتبقية من الراتب، ويكون تحمل الصندوق لهذه النسبة لفترة لا تزيد عن سنتين ويقوم مجلس الإدارة بوضع الشروط اللازمة لصرفها، ولم تتوقف أهداف الصندوق عند هذا الحد، بل ذهبت أيضاً إلى دعم تمويل برامج ميدانية ومشاريع وخطط ودراسات تهدف لتوظيف السعوديين وإحلالهم محل العمالة الوافدة، وتقديم قروض لمنشآت تأهيل وتدريب القوى العاملة الوطنية الخاصة التي تؤسس في المملكة والمنشآت القائمة بغرض توسعة نشاطها أو لإدخال الأساليب الحديثة عليها، والقيام بالبحوث والدراسات المتعلقة بأنشطته في مجال تأهيل وتدريب وتوظيف القوى العاملة الوطنية وكذلك تقديم المشورة الفنية والإدارية لمنشآت تأهيل القوى العاملة الوطنية وتدريبها، وقد ترأس صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز مجلس إدارته بعد التأسيس انطلاقاً من قناعة سموه بأهمية تدريب وتأهيل الشباب السعوديين وتوفير الوظائف المناسبة لهم في منشآت القطاع الخاص، وهنا تتجلى رؤية سموه وقناعته القيادية بأن هذا الصندوق له فوائد بالغة الأهمية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني ومع مرور الوقت أثبت صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز أنه قائد من الطراز الأول، قائد صاحب رؤية وصاحب فكر وصاحب نظرة ثاقبة للمستقبل، وإذا كان سموه استطاع بحنكة القائد أن يحفظ للمملكة أمنها واستقرارها وسلامها الاجتماعي فإن دور سموه لم يقتصر على الشأن الداخلي فقط، بل امتد دوره إلى آفاق بعيدة وتجاوز الحدود المحلية إلى مختلف دول العالم عربياً ودولياً، وكان الهدف من ذلك الاستفادة من تجارب المملكة في مجال الأمن الداخلي وتبادل الخبرات والتجارب مع الكثير من دول العالم، خصوصاً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب الذي استطاع سموه أن يقتلعه من جذوره. إن الحديث عن رجل بهذه العقلية النادرة، وهذه الرؤية العميقة للمفهوم الأمني يعد مدخلاً بالغ الأهمية إلى شخصية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، ليس بوصفه وزيراً للداخلية، بل بوصفه قائداً محنكاً متمرساً لا يفصل بين الأمن وأي قضية اجتماعية مهما صغر حجمها أو كبر، فقد تدرج سموه على مدى أكثر من ستين عاماً في العديد من المجالات القيادية، ففي 17 جمادى الثانية 1371ه عين سموه وكيلاً لمنطقة الرياض، وفي 3 ربيع الثاني 1372ه عين سموه أميراً لمنطقة الرياض، ثم عين سموه نائباً لوزير الداخلية في 29 ربيع الأول 1390ه، وفي 17 رمضان 1394ه عين سموه بنفس المنصب بمرتبة وزير، وفي 17 ربيع الأول 1395ه صدر مرسوم بتعيين سموه وزير دولة للشئون الداخلية، وبتاريخ 8 شوال 1395ه صدر مرسوم ملكي بتعيين سموه وزيراً للداخلية، وفي 30 ربيع الأول 1430ه الموافق 27 مارس 2009م أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز أمرا ملكيا بتعيين سموه نائباً ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية، وقد جاء اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسموه ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية بالأمر الملكي الكريم في 29 ذو القعدة 1432ه الموافق 27 أكتوبر 2011م، قائماً على معطيات جوهرية مرتبطة جذرياً بعمق الرؤية الإستراتيجية التي يتمتع بها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، كما أن الأمر الملكي الكريم جاء معبراً عن استقرار منظومة الحكم السعودي، وقد جاء تصديق مجلس البيعة وكذلك مبايعة الشعب السعودي لسموه تعزيزاً لمفهوم استقرار نظام الحكم السعودي ودليلاً قاطعاً على سلاسة نظام الحكم في المملكة العربية السعودية كدولة محورية في المنطقة، وكدولة مؤثرة تحظى باهتمام كبير واحترام أكبر على مستوى العالم.