عصرنا الحالي عصر تتسارع فيه التقنية بمختلف أشكالها وصورها، بل حتى أن اللحاق ببعضها يكاد يكون شبه مستحيل، هذا التسارع المستمر في تقنيات الاتصال الحديثة وتطبيقاتها أحدث نوع من الإرباك غير المنظم لجميع أفراد الأسرة والمجتمع ككل. حيث إن التقنيات الحديثة أوجدت لدينا أنماطا حديثة للعلاقات الاجتماعية، وهي تشمل كافة أفراد الأسرة صغارا وكبارا، والملاحظ أن فئة الصغار والشباب تتفوق بشكل كبير في استخدام وسائل التقنية والاتصال الحديثة ولديها الرغبة والجرأة في ذلك، أسواقنا حاليا تعج بكل جديد من منتجات التقنية الحديثة ومغرياتها. والملفت أن متابعة التغيير في الأجهزة وأنواعها المختلفة وملحقاتها أصبح ظاهرة في كل المجتمعات، وبدأ يمثل إرباكا حقيقيا لأرباب الأسر في تحمل دفع التكلفة التي يتطلبها شراء أجهزة جديدة أو سداد فواتير طائلة جراء استخدام التقنيات الحديثة. وعلى الرغم من النواحي الإيجابية في تزايد استخدام التقنية وانتشارها، إلا أننا بدأنا نلحظ العديد من النواحي السلبية للأسر كافة وأبرزها بعض النواحي المالية والجوانب الاجتماعية السلبية، فتقنيات التواصل الحديثة بدأت تبعد وتفكك الأسرة الواحدة وتقضي على التلاحم والتجمع الأسري على مستوى الأسرة الصغيرة، فتلك الأجهزة تسبب نوعا من العزلة لمستخدميها وتعيشهم في عوالم أخرى خارج نطاق الأسرة. لا نقول إن التقنية هي السبب الرئيس في تزايد التفكك الأسري ولكنها أحد أهم مسبباتها بسبب ما تمتلكه من تأثير ونفوذ على الأبناء. المشكلة التي تعاني منها معظم الأسر الآن، هي في إيجاد طرق ناجعة لتقنين استخدام الأبناء للتقنية وليس بحرمانهم منها، ويبدو أن هناك عبئا كبيرا سوف يتحمله الآباء في سبيل إيجاد بيئة علاقات حميمة مع أبنائهم بشرط إبعادهم عن أجهزتهم ولو للحظات في اليوم الواحد. لعلنا نتفق جميعا، أن التقنية ووسائل الاتصال الحديثة بقدر ما خدمتنا إلا أنها أحدثت لنا نوعا من الإرباك، ولم نكن مستعدين لإرباكاتها كأشخاص كبار ندعي النضج والفهم، فما بالنا بالصغار والمراهقين، وهم من يحتاج إلى تعلم أبجديات إعادة تأسيس العلاقات وفهم معنى العالم المحيط بهم، وهذا لن يمنحه لهم إلا أسرهم، إذا هذا هو واجبنا.