ليس العرب بحاجة لمآسٍ, ولكن ما ارتكبه حكام طغاة بحق شعوبهم هم من جلب هذه المآسي لأوطانهم, فيما انتهجوه من جرائم ضد الإنسانية, كتكميم الأفواه والاعتقالات التعسفية والملاحقة والقتل لكل من يخالفهم الرأي للمطالبة بحقوقهم المشروعة في كفل سبل العيش بكرامة وحرية والمشاركة في التوجهات الفكرية والتنموية التي تساعد مجتمعاتهم نحو آفاق أكثر رحابة وتعددية وأكبر توجها لبناء مؤسسات اجتماعية خادمة للكل دون الاستئثار بانفرادية القرار والتحكم في مفاصل المؤسسات المدنية التي أضحت خادمة لرموز النظام المهيمنين عليها بطائفية المقربين للنظام وهو ما تجسد في حالات عربية مريرة في بعثي العراق وسوريا وجماهيرية العقيد, الذي تم التخلص منه قتلا قبل أيام قليلة نهاية لحكمه الظالم وبؤس من نهاية, اللهم لا شماتة. انتهى حكم ذي الألقاب المتعددة من قائد الجماهيرية الليبية لملك ملوك إفريقيا, فكيف يتوافق مسمى ملك مع المسمى الآخر كقائد ثورة وهو الذي لم يعترف يوماً أنه رئيس لدولة ليبيا, فما هذا التناقض الذي كنا نسمعه منه وعنه إلا جنون عظمة قادته لما آلت إليه حاله مطارداً من مدينة لمدينة حتى تم قتله في مسقط رأسه -سرت- وقد شاهدنا جثمانه على الفضائيات بشكل مزرٍ ومذل, لحاكم عربي طاغية أخذته العزة بالإثم, حينما استأثم بوطنه وشعبه طيلة أربعين عاماً, فكانت نهايته المأساوية. اليوم ليبيا أمام مهمات جسام أولى هذه المهمات هو طي صفحة حقبة مظلمة لعهد معمر القذافي, ودستوره الخرافي المتمثل بالكتاب (الأخضر) الذي أطاح به الثوار في بداية الثورة الليبية, ليليه بعد ذلك الإطاحة بصاحبه, وبزوغ فجر جديد, ليتنفس الشعب الليبي عبير الحرية وبناء بلدهم مجددا وتحسين علاقاتهم مع الدول العربية بل دول العالم, بعدما نأى الحاكم الطاغية بشعبه وبلاده لسنوات طويلة همش من خلالها الشعب الليبي وحرم من أبسط حقوقه الإنسانية, بعدما اختزل الحاكم الطاغية شعبه ووطنه في شخصه وبدستوره كتابه (الأخضر) الذي تلا علينا في مرحلة سابقة فقرات منه تلك الفقرات الدالة على جنون عظمته من سياق فصول كتابه (الأخضر) وإن شئت فقل أفعال كتائبه التي أذاقت الشعب الليبي الأمرين اعتقالا وقتلا, ناهيك عن الكثير منهم بالمنافي والذين لم يسلم البعض منهم من الملاحقة والقتل. الشعب الليبي بوعيه وثقافته وبحنكته ليس غائبا عما يجري ببلده, ولكن سبل القهر والاستبداد حالت دونه ودون أن ينهض وينفض عن كاهله المرهق سنوات الهوان والعذاب, إلى أن حانت الفرصة المواتية ليخرج المارد من قمقمه ويحطم أغلاله وهو ما أدهش العقيد ليجن جنونه ويخرج عن طوعه في مواجهة شعبه بخطاباته وكتائبه, ولكن بعد فوات الأوان, بعد طي صفحته المجللة بالسواد.. وستبقى مسألة الصفح والتصالح بين أفراد الشعب الليبي, هي عماد حاضرهم ومستقبلهم في بناء وطنهم وفق انتقال سلمي للسلطة, فاليوم عند الليبيين كيوم عيد لعهد جديد!! [email protected]