ولكنه بنيان قوم تهدما تذكرت هذا البيت وأنا أتلقى خبر وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي فجع بموته أبناء شعبه وكل من يعرفه من أبناء الأمة العربية والإسلامية والعالم، مع إيمان الجميع بأن الموت حق وقضاء وقدر وكلنا وارده. لكن على مثل سلطان يحق للعيون أن تدمع، وللقلوب أن تخشع ولكن لماذا؟ سؤال تقتضي الإجابة عنه البحث في سيرة وعطاء سلطان الخير التي امتدت لأكثر من 80 عاما منذ ولادته التي كانت ميمونة على والده القائد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - إلى نبوغه المبكر في دراسته وتأهله لتولي أول مسؤولية له وهو دون العشرين عندما عينه والده رئيسا للحرس الملكي إلى إمارته للرياض ثم الزراعة والمواصلات وعطائه في بناء الجيش السعودي وولي للعهد. 80 عاما كان فيها سلطان ملء السمع والبصر، رائدا في إنجازاته، وإنسانيا في قيادته ومنبعا للخير، ما ردَّ قاصده يوما خائبا ويكفيه شهادة أخيه وشقيقه سلمان بن عبدالعزيز حينما قال (سلطان لوحده جمعية خيرية) وعندما تحدث عن نفسه- رحمه الله- قالها فعلا لا قولا عندما أعطى لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية جل ما يملكه في المملكة عدا بيته الذي يسكن فيه. سخاء ما بعده سخاء، وإنسانية تتجاوز كل الحدود وعطاء لم يعرفه الناس إلا من سلطان الخير، وسيظل هذا الجانب محط دراسة ومثار إعجاب لعقود بل قرون من الزمن. قدر لصاحب السمو الملكي أن يتحمل مسؤوليات استثنائية في ظروف استثنائية، فكانت له الريادة في كثير من الإنجازات التي سبق بها عصره فحينما تولى إمارة الرياض كان أول من أدخل التخطيط إليها وسفلتة وإنارة الشوارع وكثير من المشاريع الحضرية التي امتدت إلى مراحل ما بعد توليه إمارة الرياض. أما في وزارة الزراعة فقد كان له ريادة حماية البيئة والاهتمام بالثروة الحيوانية، وكذا الاهتمام بالتعليم الزراعي سواء من خلال إنشاء المعاهد والمدارس الزراعية التي تحولت فيما بعد إلى كليات عملاقة، أو من خلال برامج الابتعاث الخارجي لبناء جيل قادر على العطاء وفق آخر معطيات العصر ومستجداته في هذا المجال. وفي الاتصالات اختط الريادة في تطوير خدمات الاتصالات بكل فروعها ومجالاتها في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية وفي مجال الخدمات البريدية فكانت خططه وبرامجه هي النواة والأساس الذي بنيت عليه الطفرة التي تعيشها المملكة في مجال الاتصالات. أما الجانب الأبرز والأوضح في عطاء سلطان هو بناء الجيش السعودي ورفعه إلى المستوى الذي يعد من أبرز الجيوش في العالم تسليحا وكفاءة وفي خطوط متوازية لكل أفرع القوات المسلحة، القوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية والدفاع الجوي فقد أنشئت عدد من الكليات والمعاهد العسكرية التي تجاوز استيعابها المملكة إلى دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية والإسلامية في نظرة ثاقبة من سموه- يرحمه الله- إلى ان الأمن العربي كل لا يتجزأ. وإشارة أخيرة إلى تلك السنة الحميدة التي سنها، ونسأل الله أن يجعلها في موازين حسناته وهي مسابقة الأمير سلطان للقرآن الكريم في الجيوش الا سلامية ليتم بناء الجندي عقائديا وربطه بربه ودينه حتى يكون البناء الجسماني والتسليحي مكملا لهذا الجانب. وأخيرا قد يتساءل متسائل ما الجديد فيما كتبته هنا عن سلطان الخير والقيادة والعطاء أقول: إني ما كتبت هذا إلا محاولة مني لفهم سر هذا الحب الكبير لسلطان في قلوب الناس ففتشت في أسفار عطائه، ومع ذلك لا أملك إلا القول: إن من أحبه الله أحبه الناس. ويكفينا عزاء في فقيدنا العظيم أبناؤه الذين بذر فيهم كل صفات الخير والوعي، وكما نهل هو من معين القائد المؤسس والأم العظيمة عكس هذا في تربية أبنائه، فكان أولئك الرجال الذين يفخر بهم الوطن صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان وإخوانه أصحاب السمو فهد بن سلطان وتركي بن سلطان وفيصل بن سلطان وإخوانهم أصحاب السمو وأخواتهم صاحبات السمو الذين هم امتداد لسلطان الخير بكل صفاته ومناقبه. رحم الله الخالد أبا خالد الذي سيظل خالدا فينا بأعماله وعطائه ومآثره التي تستعصي على الأيام أن تمحوها أو تنسيها. رئيس مجلس إدارة مجموعة البيان القابضة