كما يطير غبار النار في يوم عاصف، فجعنا بالخبر الأليم، وأعلنت المملكة العربية السعودية وفاة فقيدها الراحل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، لقد اختاره صاحب الأمانات، ليكون في فردوسه الأعلى، رفيقاً للأخيار بإذن الله تعالى، مع العليين والأتقياء والصالحين. نستسلم لإرادة الله سبحانه، قانعين بحكمته المرسلة في اختياره الحكيم للأمير الكريم الفاضل سلطان بن عبد العزيز ليلحق بركب الذين سبقوه كراماً أتقياء بررة.. فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.. إنها غصّة ألم تكاد تخنق فسحة الروح.. وستائر من سواد تغلق فسحات المرايا.. سكنت الخيول، ولوت الورود أعناقها، وآوت الطيور إلى أعشاشها.. ولولا سعة الفضاء، ورحابة رحمة الله سبحانه، لأغلقت السماء ستائرها. وأغمضت البوادي عيونها على طيوف أحلام عبرت بومض سريع، ولم تغب.. لكنها حفرت على جدران الزمن سيرة رجل كان.. ومضى. لكننا نقول كما قال الله في كتابه العزيز: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} الزمر30. صدق الله العظيم.. ولا نملك وسط هذه الغصّة الحزينة الذابحة، إلا أن نرفع أكفّنا للسماء، ونسأل الله خالق الأكوان أن يتغمد فقيدنا الغالي سلطان بن عبد العزيز برحمته الواسعة، وأن يغدق عليه من فضائل نعمه، وأن يجعل مرتبته في أعلى عليين، مع الشهداء والأولياء والصديقين، إنه سميع بصير، وبنا وبالأمة خبير. فلا حول ولا قوة إلا بالله، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. وهكذا يعبر الزمن، فيتراءى أمام نواظرنا شريطٌ من الذكريات التي ما غادرتنا وما غادرناها.. سلطان.. أميرٌ كبير بالمعنى والقيمة، فِعالهُ كبيرة، وحضوره كبير على كل الساحات، الوطنية والإقليمية والإسلامية والعربية والعالمية والإنسانية. عملَ فأنجز، وأعطى فأجزى، وكانت كفّاه أطهر من الندى، وللخير والعطاء أسرع من خيول البرّ. سلطان.. كان الأمير الحكيم الحصيف البار المخلص لوطنه ولأمته وللإنسانية جمعاء. وكان الإداري المحنك، والربان الماهر الذي استطاع أن ينجو مع إخوانه الكرام بسفينة الوطن والأمة من رياح الأعاصير، ومن قسوة الأنواء، ويصل بها وبنا إلى شواطئ الأمان. كان رجل المواقف الصعبة، الهادئ في وقت القلق، الحكيم في زمن الغضب، الراشد القادر على اتخاذ القرارات الصائبة، والوصول إلى نتائج إيجابية شهد له بها العالم قاطبة. كان المؤمن الذي سار على خطى شريعة الخالق.. الإسلام دستوره، والقرآن الكريم عطر حياته. بني وعمّر، وأشاد وكبّر، وأقام ورفع.. فاستحق رضا الله، وحب الشعوب، ونحن في هذه اللحظات العصيبة التي تلفّنا بوشائج الذهول، نرضى بحكم الله، فهو الحكيم ولا راد لقضائه، لكننا في الوقت نفسه ونحن نعتصر قلوبنا حزناً وألماً، نخضع لحكمة الله، ولنا العزاء كلُّ العزاء بالأسرة المالكة الكريمة وفي مقدمتهم سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله-، وأعانه وسدَّد خطاه، وألهمه وآله الصبر والسلوان. الأمير سلطان بن عبد العزيز فارسٌ ما توانى عن الفروسية يوماً، عايشناه فكان الصلب العود، الوفي الأمين، المسلم العربي، وفي هذا المقام الحزين أقدم العزاء إلى المليك المفدى وإلى الأسرة المالكة الكريمة وبطاناتهم من رجالات القيادة الرشيدة الذين كانوا بطانة السلف الصالح، وإلى الشعب السعودي الأصيل. ولا بد أن يشرق صباح جديد، يبشّر بيوم جديد، تسطع الشمس من جديد وتفرش أشعتها على مساحة الوطن, وتستمر الحياة، لنقول: رحم الله الأمير سلطان بن عبد العزيز، بعد شهور عصيبة من الترقب والانتظار اختلطت خلالها مشاعر الشعب السعودي وكل محب للمملكة العربية السعودية بالأمل والرجاء علّ الله يشفي الأمير سلطان بن عبد العزيز حتى أتى الخبر الفاجعة، لم يبكيه الوطن وحده، بل جميع العيون تدمع، وكل القلوب تصدع، وإننا على فراقك يا سلطان الخير لمحزونون، لكننا الصابرون على قضاء الله سبحانه، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ . * * * - دبي