خالتي زينب صاحبة القلب الكبير الحنون.. تزوجها أبي بعد وفاة أمي.. وأنا صغيرة.. لا أتذكر أمي جيداً.. ولا أعرف أحداً غير خالتي زينب.. أشعر بها عندما تحدثني وتكلمني.. واحساس الأمومة الحقيقية أجده معها عندما تنصحني وتوبخني.. هاهي تسير أمامي بشالها الرمادي واضعة حول عينيها نظارتها القديمة.. وكل شخص من العائلة يعرف تلك النظارة.. لوجود تلك العلامة المميزة.. خيط أحمر رقيق يحيط بأحد عدساتها العاتية.. الجميع يخافها.. ولا يستطيع أحد أن يكسِّر كلامها مهما كان مركزه بين العائلة.. لا أستطيع أن أستغني عن نصائحها لي.. ومع قسوتها في المعاملة معي أحبها كثيراً وأجد لديها القلب الكبير الذي استطيع أن أبحر بين جنباته من غير خوف.. الجميع يعرفها في مدينتنا الصغيرة والذي يحتاج إليها يجد لديها العون.. لا ترد أحداً خائباً.. مهما كانت حاجته. حصلت خالتي في مدينتنا على احترام الصغير والكبير وجميع المسؤولين.. تم الطلب منها العمل خارج البيت وأن تكون مسؤولة عن دار الأيتام.. لكنها رفضت تلك المهنة.. حيث تملك ذلك المبدأ والمعروف لدى الجميع.. في مدينتها .. وهو :«أن المرأة مكانها الدائم داخل البيت.. وترك الأعمال الخارجية للرجال فقط». والذي يعرف بمبدأ الخالة زينب والمشهور عن الحديث عنه بين أفراد مدينتنا.. وخارج مدينتنا تقريباً.. مرت الأيام والشهور.. وفي مساء ذات يوم.. وأنا عائدة من زيارة احدى صديقاتي.. فضلت السير على ركوب الحافلة.. وكي استمتع بجمال ذلك الشارع وجمال أشجاره المتفرعة.. والذي في نهايته يقع منزلنا الكبير.. وأثناء سيري شد انتباهي منظر من بعيد وعلى غير العادة.. والذي بدوره سرق تمتعي بذلك الشارع.. إنه حول بيتنا حيث يوجد انوار عالية تضيء وتختفي.. ذهب تفكيري إلى خالتي زينب وان تلك سيارات اسعاف جاءت كي تنقلها للمستشفى.. زدت خطوات سيري.. كي أحصل على اجابة وما سبب ذلك التجمهر حول منزلنا!؟ وعند قربي من منزلنا.. لا يوجد هناك سيارة اسعاف كما توقعت.. بل كاميرات تصوير للصحافة ومراسلون.. مع تواجد العديد من المحطات التلفزيونية المتعددة في ذلك الوقت.. وزاد استغرابي تواجد تلك المحطات حول منزلنا بالذات.. بل على باب بيتنا.. وبعدما توسطت داخل ذلك التجمهر.. ومع وجود صرخات عالية من المتواجدين.. شاهدت خالتي زينب يحيط بها أشخاص يحملون سماعاتهم مع أخذ الصور.. وقفت أراقب ما يدور.. ما زلت لا اعلم سبب ذلك التجمهر حول خالتي.. هل اكتشفت شيئاً؟!! .. اقتربت كثيراً من منزلنا.. وظهرت أمامي أختي واتجهت نحوي مبتسمة وضمتني وهي تقول: باركي لخالتي.. لقد حصلت على جائزة الدولة التقديرية.. عندها قلت لها ما تلك الجائزة؟ قالت انها جائزة «الأم المثالية» والتي تقدمها الدولة كل ثلاث سنوات لأي أم مثالية مع مبلغ وقدره (50000) خمسون ألف دولار كهدية لتشجيع الأمهات في العمل داخل البيت وعدم الخروج للعمل وأن تقوم بتربية أبنائها أحسن تربية.. عندها صرخت وبصوت عالي.. ومن داخل قلبي.. وقلت: نعم تستحق خالتي زينب تلك الجائزة.. نعم تستحق.. تستحق.. تستحق..