إيران.. ترمي حكمتها في لهيب الغطرسة، تبحث عن عشبة صغيرة يانعة في مجاري السيول الكبيرة، تحاول ترقية نفسها بتنهيدة فراشة، تبحث عن قرميد ولآليء وبلور وكريستال وماء وورد، لكنها لا تطيل النظر عاليا، ولا ترمق الأفق العالي، الذي تتزاحم فيه الأنجم، لليل عندها بروق معفرة بالوجل، وبالرماد، عبثا تحاول زرع البذور وبعناد العناد تمنح نفسها هبة لنار الأعاصير وفق رقصة غير بارعة وغير جدية وغير ذات معنى، ليس لها شمس دافئة، ولا قمرا منيرا، ولا فصول تلمع بنور الأماني، تحاول أن تضاجع السحابة، لكنها لا تقوى على الحراك الجميل، تستميت في أن تنحت اسمها وتركل إلى الخلود في شهوة محيرة، تعتري من لحاء نقيضها وجرارها المليئة بالفجيعة، لأعمالها بعض التلوث، تحاول نسف الأمكنة، لها مسرحيات ضعيفة، وإشكاليات بائنة، وقصص محزنة، وروايات لها لون الضباب، لا تحاول أن يصحوا من سباتهم الطويل، أبوابها موصدة، ولها انزواءات مثل عنكبوت ينسج أحلاما كبيرة قد تشل أمانيه الآتية، تتحرك بأصوات ملونة، لكنها بلا رشقة ولا حذر، تحتفل بسقم، وتحلم بفاكهة رمان وماء عذب ونيزك بهي، مفتاح الحلول بين يديها لكنها لا تحدق بحدة، في عيونها غبش وبعض ماء، لا تقيس المسافات بدقة متناهية، تضع نفسها أمام النوافذ الكبيرة لتصفعها الرياح العاتية بقوة وبلا هوادة، التمييز عندها يصعب بين الرغبات الجامحة والأحلام المنفية، لا شيء يزعجها غير تلك الأصوات تديم زخم القلق على هياكلهم الزجاجية، الراقدة في الحدائق الخلفية العتيقة، جسدها ينز بالكثير من العرق والخوف، شتلات الورد التي غرستها شاخت، لأن أرضها طفحت بالملوحة، حتى صارت بلا خصوبة، لديها المحراث الذي يقلب الأرض، لكنها لم تتأمل يوما خيوط الماء الصاعد من الأخاديد الداكنة المنتفخة مثل جرح عتيق، أبخرة الرغبة الساكنة في جوفها غير نقية، لأن الهواء الناقل فشل، رغم كل المحاولات في إنتاج التفاح والورد وأعواد القصب، وأخذت ترسم براعم صغيرة في أول الربيع سرعان ما يدهما الشحوب في الشتاء، يأتيها الجليد ببطء، حتى يتمكن منها فتصبح مجرد عيدان رقيقة مغروسة في أرض بوار، لها مرارة وتآكل ووجع وهذيان وهروب وانكفاء ونكوص وغزارة تناقضات وفوضى وتفريط وإيهام للذات وحماقات وإهدار قدرات وكسل ممنهج، لها احتفالات متقاربة بالعجز وتراتيل الفراغ والنوم، حتى تهمشت، كل شيء لديها مضبضب وغامض وكلام يشبه اجترار الحكايا، لها تربة وماءوهواء، لكنها مازالت رهينة للعجز وعدم الوضوح واليقين، نجومها التي كسرت ثلمة الليل منحتها شيئا غامضا، صباحاتها شاخت حتى ماتت من حولها زهور الياسمين وأشجار التفاح، مثل الأعمى تتلمس طريقها في الظلام المخيف، أنشودة الإبداع انصهرت في وديان أمانيها الراكدة، لأن الفراغات التي عاشتها ملأتها نكوصا حتى أصبحت مثل الفانوس لكن بلا زجاجة، خطواتها متعثرة وطرقاتها متعرجة وأحلامها مائلة ووجهها لا يليق بالمطر، ضحكاتها تهددها الليالي بوحشة، أصابع ليلها المكفهر ينساب في الأركان وبين الزوايا بلا استئذان، بينما أشعة فوانيسها تنساب على وجهها الجاف، لهم عقول لكنهم يخونون أنفسهم، هؤلاء هم بعض مسؤولي بعض الإدارات عندنا، المحزن أنها لا تفكر بغرس شتلة ورد نقي، أو كيف تمور مور السحاب، أو كيف تعمل كالتنور، أو كيف تعدو وتسبق، بقدر ما هي منشغلة بزراعة أشياء أخرى غامضة وغير مفيدة وليس لها ثمر، إن ثمة أشياء أكاد أحسها في إيران وهو التناسل الكبير في ممارسة العبث والركض بلا أدنى نتيجة.