تميزت المملكة العربية السعودية منذ عقود وفي أحلك وأصعب الظروف وأشد الأزمات باتباعها سياسة الصمت والهدوء والحكمة والعقلانية في قراراتها وردود أفعالها تجاه ما يحاك ضدها, وهي السياسة التي أثمرت خيراً وعطاء وتفوقاً ونجاحاً وأضافت لمكانتها ومكتسباتها قوة في مواقفها.. يحدث هذا في هموم وقضايا الوطن المختلفة باستثناء الرياضة, فهذه الأخيرة باتت بمفردها صخبا لا يتوقف وضجيجا لا ينتهي وإزعاج قلب مفهوم، ومعنى الرياضة إلى هم وغم وغلدمة, تحولت ميادينها الرحبة ومنافساتها المثيرة إلى ساحة صراعات لا طائل منها سوى المزيد من الإيذاء والتعصب والكراهية, حتى على صعيد المسئولين في الاتحاد والأندية أصبح الاختلاف خلافا والتحاور على طريقة إن لم تكن معي فأنت ضدي, والتفاهم يبدأ ويكبر ويتأزم عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي, الكلام سيد الوقف والأقوال تسبق وأحيانا تلغي الأفعال, والدليل ما نحن عليه اليوم. اسأل مجربا في كل مشكلة أو بعد أية أزمة تحل بالكرة السعودية سواء في المسابقات المحلية أو الاستحقاقات الخارجية للأندية والمنتخبات يتركز الحديث وتوجه التهم صوب هذه اللجنة أو تلك, وكأنه لا يوجد مجلس اتحاد كرة مكون من رئيس وأعضاء نصفهم معين والنصف الآخر منتخب, لا ادري لماذا ننسى أو نتجاهل الأصل والكل في الكل لنضع اللوم والحل والربط ونختزل النقد ونصب جام الغضب على مجرد لجنة لا أقل ولا أكثر.. قد يبدو الأمر مقبولا لو يتوفر لهذه اللجان الإمكانات المادية والكوادر البشرية المتخصصة والمتفرغة, أو على الأقل لديها مكاتب معروفة خاصة بها تساعدها على العمل وسط أجواء صحية مريحة ومحفزة, فمن غير المعقول بل من المستحيل أن تأتي مخرجات اللجان بالمستوى الذي نطمح إليه, أو بالقدر الذي يسمح لها بالعمل وفق المعايير والمواصفات التي تحقق الأهداف المرجوة منها, كيف نتوقع أن تقدم لنا لوائح سليمة خالية من العيوب وقرارات صائبة وهي نفسها تعمل بلا لوائح تنظيمية ولا هيكلة إدارية ولا ميزانية مالية؟ أنا هنا ومن واقع تجربتي وتشرفي بعضوية لجنة الإعلام والإحصاء في التشكيل السابق أتوجه لسمو الأمير نواف بن فيصل برجاء تفعيل دور أعضاء اتحاد الكرة, وتوفير الظروف الإدارية والمالية والمعنوية التي تجعل لجان الاتحاد ذات معنى وقيمة وكفاءة في إدارة نفسها والارتقاء بنوعية قراراتها. كشفت المستور صحيح أن تأجيل العمل بلائحة الانضباط الجديدة يعد قرارا حكيما من الأمير نواف بن فيصل, لكن الأصح والأهم والمفترض هو أن يتعامل اتحاد الكرة مع ما حدث بطريقة موضوعية وعملية تخدم حاضر ومستقبل الكرة السعودية وتضبط ممارساتها وسلوكيات المنتسبين إليها بدلا من أن تتحول (أي اللائحة) إلى سجال إعلامي لتسجيل مواقف لاغير. من المؤكد أن هنالك شبه إجماع على أن هذه اللائحة مليئة بالأخطاء والثغرات والتناقضات في صياغتها ومضمونها, ومن الطبيعي أن يتم تداولها والحديث عنها من الوسط الرياضي عموما بردة الفعل اللائقة بها وبالأسلوب الذي يتناغم مع كونها فضيحة مخجلة ومهينة لتاريخ وسمعة ومكانة الكرة السعودية, وبالتالي لا يجوز تبسيطها والتقليل من تأثيرها بقدر ما تتطلب الاستفادة منها والاهتمام بكامل تفاصيلها, لماذا جاءت صياغتها بهذا الشكل؟ من يتحمل مسئوليتها؟ كيف تمت الموافقة عليها دون التدقيق في بنودها والتأكد من سلامة وقانونية محتواها؟ لماذا لم يؤخذ بملاحظات الأندية؟.. الأخطر والأسوأ في الموضوع أن تصدر هذه اللائحة الغريبة في هذا الوقت الذي نتطلع فيه إلى تغيير وتطوير الكرة السعودية, وانتشالها من سقوطها المتسارع, كنا نريد منها أن تعالج الأمراض وتصحح الأخطاء وإذا بها تزيد أمورنا سوءاً وتعقيداً, لقد كشفت لنا بوضوح حقيقة ما تعانيه الكرة السعودية وتحديدا في مجال إدارة شئونها, وأنا هنا أكرر ما ذكرته عن اللجان وعن أهمية إعادة ترتيبها بحيث تتجه للعمل الاحترافي المؤسسي, لا أن تكون أسيرة الاجتهادات والإدارة بالعشوائية تارة والفزعة تارة أخرى.