قال تعالى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . هذا المعنى تجسد بوضوح في الساعات الطوال التي كرر وأعاد وأكد فيها الدكتور عبد العزيز الفوزان بأحاديثه حول الصيرفة والربوية وحولي، وهو يخاطب جمهوره، الذي ما فتئ يوصفهم بأنهم عوام لا حق لهم أن يفهموا دينهم ولا قدرة لهم على ذلك. ما كان للفوزان أن يتحدث الساعات الطوال في هذه القنوات بهذه الأحاديث، لولا أنه أمن جانب من يسميهم بالعوام بأن يرتقوا عن المنزلة التي وضعهم فيها الفوزان فيحكموا العدل والعقل، فيكتشفوا كذب حديثه وسوء مقصده في استغفالهم وتسخيرهم لمصالحه؛ لذا، فلم ير الفوزان بأساً بأن ينهج مع عوامه ما نهجته الأمم من قبلنا، فكأن لسان حاله يقول: ليس على الفوزان في الأميين سبيل. فليكذب كما شاء وعلى من شاء. بالأمس وثقت بعض أكاذيب الفوزان، وتجاوزت عن كثير منها؛ فكذبة واحدة تكفي. واليوم أطرح موضوعا خطيرا آخر بذل الفوزان جهده في تلميعه وتلفيقه؛ فهو درعه الذي يستتر به عن أفهام الناس. مارس الفوزان أساليب دعائية مليئة بالكذب والتحريش والتلاعب بعواطف الناس من أجل تقريرهم، ومن أجل أن يفرض على عقل المشاهد بأن الفوزان وأمثاله، ومن تمّسح بهم الفوزان من طلبة العلم والدعاة - وهم منه براء - بأنهم فوق البشر، لهم الحق بأن يقولوا ما يشاؤون، وأن يطعنوا في المخالف - بينما لا يحق للمخالف الرد عليهم بمثل ذلك. ولهذا أصبح الطعن صراحة أو ضمنا في المخالف سلاحا لبعض المنتسبين لأهل العلم في إقناع الجمهور الذي تؤثر فيه هذه الغلظة المتلبسة بلباس الدين؛ فإذا ردَّ عليه المخالف بدون ذلك أنكروه وتعجبوا منه! أو ليسوا هم بشراً من خلق الله، أوليس الله هو معطي هذا الحق، فقال تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ فكيف إن كان الانتصار لله! وحتى للنفس فقد قال تعالى قبلها وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا . بغض النظر عما كذب عليَّ فيه الفوزان؛ فنسبه على لساني في مقالاتي، أو نسبه كذبا صراحة على مقدم البرنامج - الذي تبرأ من كذب الفوزان أمام الناس في التلفزيون-، فإن الفوزان دندن كثيراً على أنَّ من انتسب إلى المشيخة -مهما كانت منزلة مشيخته- فإنه لا حق لأحد بأن يناقشه أو يرد عليه بمثل ما قال، فهم (المتمشيخين) - بمفهوم أحاديث الفوزان - فوق البشر. ومما لعب عليه الفوزان كثيرا تشكّيه، وتباكيه على اتهامي له بأنه يظهر أنه يسعى للجان الشرعية الأوروبية بدلائل تضليله للجان الشرعية في البنوك التقليدية عن طريق نوافذها الإسلامية ووصفهم باللعب على الله، ثم تبرئته للتي هو فيها وتمجيده للأوروبية. ورغم ما في الشواهد من قوة، إلا أن الفوزان هو الذي بدأ. فهو في تعليقه على حلقة (طاش) طعن في نيتي، واتهمني بالانتفاع من البنوك الربوية، كما أسماها، رغم أنني لم أعمل لبنك أو في بنك قط، أو انتفعت من بنك قط أو أعرف من أهل البنوك أحداً إلا اثنين فقط. وهو إن لم يذكر اسمي ولكن المعروف لا يُعرف، ولا يتبادر إلى ذهن أي أحد شخص غيري. نعم، أنا كنت وما أزال أتقرب إلى الله بكشف حقيقة الصيرفية الإسلامية وضررها على الدين والدنيا، واستغلالها للدين واستغلال البنوك لها، وقد سبقني في ذلك علماء ربانيون منهم الشيخ إبن عثيمين الذي وصف أجودها بأنها أسوأ من حيل اليهود. ولكنني أرجو الله أن يكشف عني كربة من كرب يوم القيامة بأنني أول من هتك قدسيتها ونزع عنها دعوى شرعيتها وصدقها، حتى أصبح بعضهم يتبرأ من بعض علانية. نعم، تهكمت بالصيرفة الإسلامية فوصفتها بصيرفة جحا؛ لأنها تهكمت بعقول الناس وسخرت منهم، وما تزال. أين عقول الناس وأحدهم يصرح في ندوة أو برنامج أو صحيفة أو في الرد على طاش بأن البيع باطل وحرام، وحيلة على الربا، إن لم يعاين المقترض البضاعة ويستلم، ويكون له الخيار. أو إذا وكل البائع أو وكيله: كيف والملايين من المقترضين تعلم أن هذا لا حقيقة له مطلقا. كيف استطاعوا أن يقفلوا على عقول الناس وأعينهم وضمائرهم. كيف استطاعوا أن يقوم أحدهم فيتبرأ من الصكوك ويضع شروطا إن لم تُحقق، فالصكوك حيلة على السندات الربوية، ثم يعودون ويصادقون عليها وهي لم تحقق شروطهم! كيف استطاعوا أن يعموا الناس ويصموهم. نعم، هم استطاعوا أن يفعلوا ذلك؛ لأنهم أوهموا الناس بأنهم ليسوا بشرا ممن خلق الله. فمن ناقشهم أو خطّأهم فهو جاهل سيئ الأدب متطاول على الله ورسوله. وأما من انتصر لنفسه بعد أن طعن فيهم أحدهم أو سبّه أو اتهم نيته شن عليه عوام الفوزان الدعايات حتى يتأثر بها العقلاء. أنا أتحدى أي شخص بأن يأتي بمقال لي يدور حول المصرفية الإسلامية أو ربوية النقود لي فيه إساءة على أحد ما لم يسبقني هو (المردود عليه) في الإساءة إلي واتهامي، تصريحاً باسمي أو بصفتي. بعض عوام الفوزان يقرأ المقال، وقد قدم سوء الظن، فيعظم الصغير ويؤول الأمور على أسوئها ولا يرجع إلى ما قاله المردود عليه في المقال. وإن رجع فتراه وهو يقدم حسن الظن فيصغر الكبير ويؤول أسوأ الأمور إلى أحسنها. الحديث يطول ومختصره : أن فساد الأديان وانتشار الجهل وتخلف المسلمين كله من هذا الباب. والمسكوت عنه أن السفهاء هم الذين رجموا رسول الله في ثقيف، وهم من رجم البخاري وهم من يرجمون غيرهم.